ملف الحاج رضوان

TT

الغموض الذي أحاط بعماد مغنية في حياته يلاحقه اليوم بعد مماته. فهذا الرجل الذي عاش متخفيا سنوات طويلة بأسماء متعددة، وشخصيات مختلفة، لم يستطع الكثيرون تقبل رواية اغتياله.. ولكل من المصدقين والمشككين تأويلاتهم ووجهات نظرهم: فمنهم من يتهم إسرائيل باغتياله، ومنهم من يفتح بوابة الظنون على مختلف الاحتمالات، ومنهم من يتشكك في أصل الرواية ومكانها، ويرى أن عماد مغنية أو الحاج رضوان لم يمت، بل لبس ثوبا جديدا فقط لتضليل ملاحقيه، وهو أمر يصعب القبول به، فليس من المقبول منطقيا ولا عقليا أن تنسج من الوهم حكاية بكل هذه التفاصيل، فيقيم حزب الله جنازة وهمية، لقتيل وهمي، وتصرح خارجية أمريكا بأن العالم بات أفضل بدون عماد مغنية، وتأسف فرنسا أن يرحل الرجل قبل أن يمثل أمام القضاء، ويسكب أعضاء الكنيست الإسرائيلي التهاني على مسامع أولمرت لمجرد خبر وهمي، فكل ردود الفعل من الأعداء والأصدقاء تؤكد أن رحيل مغنية هذه المرة حقيقة، وأن الرجل «الثعلب» وقع في الفخ بعد سنوات طويلة من الملاحقة والمراوغة والتخفي.

والشيء الوحيد الذي يتفق عليه خصوم الرجل وأنصاره قدرته على مقاومة حب الظهور، فلقد ظل ينأى بنفسه عن إغراء المقابلات الإعلامية، فلم يستجب لها كما استجاب شيخ محمد مخطط 11 سبتمبر، ولم يستعرض قوته في القنوات الفضائية كما فعل الزرقاوي، ولم تستهوه البيانات التحريضية المعلنة كما يصنع الظواهري، فظلت المخابرات التي تلاحقه تلاحق صورة وحيدة تجاوزت ملامحها سنوات العمر وعمليات التجميل، حتى صار أكثر الأشخاص المطلوبين غموضا وضبابية، وقد كفل له ذلك أن يتنقل لسنوات طويلة من مكان إلى مكان، وأن يعبر الحدود من دولة إلى أخرى من دون أن يترك أثرا، أو يثير انتباها..

لم يكتب عن الرجل في حياته سوى كتاب واحد فقط، بعنوان «عماد مغنية.. الثعلب الشيعي»، وأغلب ما نشر عنه في الصحف لا يرتقي إلى مستوى اليقين، فلقد اختلطت فيه الحقيقة بالخيال، والمعقول باللامعقول.. واليوم يرحل الرجل تاركا خلفه كومة أسرار، وعشرات الأسئلة التي تبحث عن إجابة بعيدا عن مخاتلة الكراهية والتعاطف.. وإن كنت أعتقد أن هذا الملف بكل تشابكاته وعلاقاته وتعقيداته سيظل غير قابل للتداول، وسيلفه لسنوات طويلة نفس الغموض الذي لف صاحبه في حياته، فسيرته الحقيقية بما يمكن أن تفجره من أسرار، تظل منطقة محظورة، كتب عليها: «خطر.. ممنوع الاقتراب».. وحينما ترفع الأستار والحجب عن السيرة الحقيقية ذات يوم سنكتشف أن ما نعرفه عنها لا يمثل سوى الجزء الطافي فقط من جبل الجليد.

[email protected]