فنجان قهوة من إيدك الحلوة

TT

بينما كانت الطائرة محلقة في الجو.

آسف على هذه البداية المرتبكة، غير الموفقة، والتي تدل دلالة قاطعة على أن فكري مشتت بحق وحقيق.

والا من هو (العبقري) الذي يؤكد أن الطائرة كانت محلقة في الجو.

طبعاً هي محلقة في الجو، لأنها لا يمكن أن تكون محلقة في البحر، أو على الرمال، أو خلال سفوح الجبال، أو بين أدغال الغابات، أو وسط شوارع المدن المكتظة.

الآن بدأت استعيد ألمعيتي ورباطة جأشي، واسمّي بالله وأقول: إنني كنت من ضمن ركاب تلك الطائرة المحلقة، وكان الوقت ليلا، والأنوار مطفأة أو خافتة، وأكثر من نصف الركاب نياما، إلاّ من كان ساهراً مع شياطينه مثلي، ومنشغلاً طوال الوقت بتعداد ذنوبه.

وبينما كان الصمت الثقيل في داخل الطائرة هو سيد الموقف، وإذا بصوت كابتن الطائرة يأتينا عبر الميكروفون ينادي على إحدى المضيفات بالاسم قائلاً:

يا فلانة يا حبيبتي ممكن تجيبيلي فنجان قهوة من إيدك الحلوة؟!

الواقع أنني صعقت وتفاجأت وتبسمت وأخذت أتلفت بحثاً عن هذه (الفلانة)، وأرى (طختها)، لأتأكد من ذوق السيد الكابتن.. وإذا بمضيفة (ما بها إشي)، يعني عليها سمة من سمات الجمال ـ ولو أنها مكتنزة قليلاً ـ تسرع مهرولة عبر الممر متجهة لقمرة كابتن الطائرة.

فما كان من أحد الركاب الخبثاء، إلاّ أن ينادي عليها بصوت مرتفع: يا فلانة لقد نسيت القهوة يا حبيبتي.

توقفت المسكينة لا تدري ماذا تفعل من شدة الإحراج، وإذا بصوت الكابتن ينادي عليها مرة أخرى قائلاً: فينك يا عيوني؟!

فما كان منها إلاً أن اندفعت وفتحت باب الكابينة، وسمعناها تقول: أقفل الميكروفون، اقفل الميكروفون.. وفعلاً انقفل وعاد الهدوء المطبق مرة ثانية تتخلله بعض الضحكات التي لا ترحم من بعض الركاب هنا وهناك.

والواقع انني لم أضحك مع الضاحكين بقدر ما أعجبتني الحكاية، وعرفت أنني وجدت موضوعاً طازجاً وحقيقياً أستطيع أن املأ فيه فراغ عمودي شبه اليومي في هذه الصحيفة.

لم يطل مكوث المضيفة في قمرة الكابتن أكثر من دقيقتين بالضبط، لأنني كنت خلالها انظر في عقرب الساعة وأحسب الوقت.

خرجت (غضبانة على مكسوفة على حزينة)، لتعد القهوة.

وبما أن (غلطة الشاطر بألف) مثلما يزعمون.. فقد سها الكابتن (النابغة)، فبدلاً من أن يتكلم بالميكروفون الذي لا تسمعه غير المضيفات، ضغط على زر الميكروفون لعموم الركاب، ثم تكلم، وحصل ما حصل من فضيحة.

وتشاءمت، وقلت بيني وبين نفسي، إذا كان ذلك الكابتن يغلط ولا يفرق بين (الأزرار).. فكيف يكون حاله وكيف يتصرف، لو أن صاعقة هائلة ضربت الطائرة وقسمتها إلى نصفين؟!

[email protected]