حسرة

TT

المشهد اللبناني كان مثيرا في الرابع عشر من شباط يوم الحب لدى أغلب دول العالم، يحتفلون فيه بالأحمر، الورد الأحمر والحلوى الحمراء واللبس الأحمر، وفي لبنان كان الاحتفال أحمر أيضا ولكنها «حمرة» الدم مقسومة بين فرقاء المشهد السياسي اللبناني البائس. كل فريق حاول تسويق «شهيده» على حساب الآخر وادعاء أمجاده وأساطيره على الجميع.

والحقيقة الواضحة أن الرجلين رفيق الحريري وعماد مغنية، كلاهما في دار الحق بين يدي خالقهما وحسابهما في صفحات رحمته، ولكن هناك وقائع على أرض الواقع لا يمكن إغفالها، ففرق كبير بين من كان يعمر ويبني ويقوم بتوافق وطني ليس مبنيا على أفضلية طائفية واهية ومن كان أيضا يحرص على علاقات بينية وعالمية مبنية على الاحترام وأساسها القانون، وبين من كان يثير الرعب والذعر والإرهاب والقتل في الكويت والخبر ومكة مسيلا دماء لأبرياء، ومحدثا حالة من الخوف والقلق بين صفوف الابرياء ممن لا علاقة لهم بالقضية، أيا كانت تلك القضية وأهدافها.

وتبادر الى ذهني وأنا أراقب هذا المشهد اللبناني الحزين قول الحق عز وجل في قرآنه الكريم «ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون» الآية توضح وجوب التمعن والتعمق في مجالات المقارنة بين الشخصيات التي «تحتكر» وتروج للبطولة والجهاد والشهادة بصورة عشوائية فيها تدمير وعبث وخسارة.

والعالم العربي تحديدا لا يزال أسير الشخصيات الوهمية الغامضة، التي يروج لبطولاتها وتحاك حولها العديد من السير والروايات والقصص التي تجعل من الممكن نشرها بشكل شعبي وعام حتى يتم من خلالها دعم مواقف ومبادئ سياسية محددة مهما كانت حجم الفاتورة المصاحبة لذلك.

الاستمرار في تبرير التكلفة البشرية البريئة المصاحبة للأعمال «الجهادية» و«البطولية» بأن كل ذلك يجوز ولا بأس به طالما كانت الغاية المقصودة «نبيلة وشريفة ومباركة» لا يختلف هذا الطرح أبدا مع الطرح العسكري الصادر من جماعة المحافظين الجدد في الادارة الامريكية، حينما تعتبر قتل الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ جراء غاراتها الجوية، أو عملياتها العسكرية عموما «أضرارا عمومية» Collateral Damage وهو وصف مهين. ولكنه نهج ثابت لدى كل من لديه رغبة التبرير بكل تكلفة.

«ميزان الرجال» مطلوب أن يكون أكثر حساسية وأكثر دقة، وأكثر أمانة حين الحكم على عطاء وقيمة الانسان، ومدى نفعه العام وإضراره بالناس، وهذه المسائل والمعطيات واضحة الملامح لمن أراد أن يحكم ضميره أمامه اما إذا جعله أسيرا للهوى فسيكون الحكم ظالما ولا ريب.

القصة الأساسية هناك، ليست الحكم على شخص ضد الآخر، ولكن الأهم من ذلك هو مراجعة حقيقية لمنهجية الحكم على الناس وطريقة الوصول إلى الخلاصة النهائية. فالسجل العربي مليء بالأسماء التي لو كان هناك إنصاف وجدارة في طريقة الحكم عليها، لما كان لها أن توجد بين دفتر التاريخ الممجد لها. هناك فرق كبير بين من تترحم عليه من قلبك وبين من يترعب قلبك، إذا لم تترحم عليه، والعوض بسلامتكم جميعا.

[email protected]