الرجل الأسود للبيت الأبيض

TT

بهارات المرشحين في الانتخابات الأمريكية هذه المرة جعلت لها مذاقا خاصا، فدخول إمرأة (هيلاري كلينتون) في الصراع على البيت الأبيض لأول مرة واحدة من البهارات القوية، ومنافسة القس الأمريكي هوكوبي بهار آخر زادها إثارة وقد سماه بروفسور أمريكي مهتم بالدراسات الاستشراقية «الملا هوكوبي»، وأما أوباما بالذات فبهار خاص جعل الوجبة الانتخابية الأمريكية من النوع «الحراق».

ومع أنه تساورنا شكوك حول وصول رجل أسود للبيت الأبيض إلا أن الانطلاقة الصاروخية لهذا النحيل الأسمر جعلت كثيرا من المراقبين ينظر إلى احتمالية وصوله للبيت الأبيض بمحمل الجد بعد أن كانت مشاركة أسود في الانتخابات الأمريكية مثل القس جاسي جاكسون نوعا من الديكور أو الماكياج الذي يتطلبه مسرح الانتخابات الأمريكية، فبالإضافة إلى توسيع قاعدته السياسية في أوساط الأمريكيين الأفارقة والناخبين الشباب، فقد أظهر أوباما بشكل لافت قدرة أفضل من قدرة هيلاري كلينتون على جذب الناخبين المستقلين والمعتدلين والمجموعات المحتارة بين المرشحين، وهذا العامل بالذات يشكل سببا وجيها يقوي موقف أوباما ويعزز عملية ترشيح الحزب الديموقراطي له.

بالنسبة لنا معشر العرب فأنا لا أتفق مع من استعجل في الحكم على سلبية أوباما تجاه القضايا العربية بسبب بعض تصريحاته المؤيدة لإسرائيل أو اتخاذه عددا من المستشارين اليهود، الطريف في هذا السياق أنه طمأن بعض ناخبيه اليهود إلى أنّ معنى اسمه في اللغة السواحلية هو المبارك، وان الصلة الدلالية لهذا الاسم تظلّ قوية مع الاسم العبراني باروخ ، فقادة اللوبي اليهودي والذين دوما يعوذ بهم المرشحون للرئاسة الأمريكية فزادوهم رهقا، لم يسلم منهم ومن سطوتهم ونفوذهم أحد ولا أوباما الذي عاذ بهم فقدم بين يدي نجواهم عددا من الصدقات والقرابين.

لكن يجب ألا نحمل تصريحاته ومواقفه المؤيدة لإسرائيل أثناء الحملة الانتخابية أكثر مما تحتمل بل توضع في إطارها الطبيعي، فالمرشح للرئاسة الأمريكية لا يمكن أن ينعم بكرسي في البيت الأبيض بدون مغازلة اللوبي اليهودي، أما الحقائق على الأرض فتقول بأن لدى الأغلبية الساحقة للأمريكيين من أصول أفريقية بشتى أطيافهم الدينية والمذهبية تعاطفا قويا مع القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين، وتقول أيضا إن كيميائية الانسجام البشري لا تعمل بشكل جيد في أمريكا بين اليهود والسود، وأن هناك تنافرا أزليا بين هذين العرقين لا فكاك ولا مفر منه، فلا خوف إذا من أوباما في شأن القضايا العربية، وعلى فرض أن أوباما استثناء من هذه القاعدة فإنه بالتأكيد سيكون أحسن المرشحين السيئين.

المقلق في هذا الشأن أن قوى الضغط في الدول العربية المؤثرة لم تعمل ما يكفي في التواصل مع الأسمر الفلتة أوباما، ولا تزال عدد من الدول العربية تعول على الحزب الجمهوري الفريق الخاسر، ويكاد التاريخ يعيد نفسه، ففي وقت احتدام الصراع الانتخابي في منتصف التسعينات بين بوش الأب وبيل كلينتون الشاب الديموقراطي القادم بقوة للرئاسة الأمريكية وضع عدد من الدول العربية بيضها كله في سلة بوش الجمهوري ودعمته بقوة، ويقال إن كلينتون حينها كان يواجه صدودا وهو يحاول التواصل مع بعض الدبلوماسيين العرب المؤثرين في الساحة الأمريكية، وفاز كلينتون وخسر العرب الرهان، على أية حال لا زال في الوقت متسع لتصحيح الخطأ والتواصل مع الصاروخ الأسمر أوباما فالرهان على فوزه أرجى وأقوى.

[email protected]