ننصحكم بعدم السفر إلى لبنان

TT

وزارة الخارجية السعودية تعتقد بأن الوضع في لبنان متوتر بدليل انها حذرت مواطنيها من السفر الى هناك، فهل فعلا لبنان ينحرف باتجاه العنف والفوضى وربما أسوأ من ذلك؟

الحقيقة هي معجزة أن ثلاث سنوات مرت ولم تنفجر الاوضاع في لبنان. فقد مر باشتباكات سياسية، واغتيالات لزعامات كبرى، وقيادات عسكرية، ووقعت حرب في الصيف مع اسرائيل، وحرب في الربيع مع فتح الاسلام، ومر عام من احتلال أتباع حزب الله وسط بيروت بالخيام والحواجز، اضافة الى الاشتباكات والمظاهرات الهادرة بعضها بلغ نحو مليون انسان. لذا لا بد ان تعجب كيف نجا لبنان وظلت الامور هادئة بشكل كبير، والبلاد تعمل بشكل شبه طبيعي، والحياة من والى لبنان منتظمة، والاقتصاد مزدهر.

إلا ان لبنان، رغم ذلك، يسير باتجاه احداث محددة وواضحة خطيرة المعالم، وعسى ان نكون مخطئين في تخوفنا منها. واحدة هي الصراع على الرئاسة والتصويت النيبابي، والمحاصصة الحكومية. مسائل زادت تعقيدا بدرجة يشعر البعض انه لا حل لها إلا بخضوع احد الفريقين، المعارضة او الموالاة. وهناك الآتي الأخطر، والذي يراه كثيرون مصدر المشكلة وهو اقتراب المحكمة من التشكيل في قضاتها ومكانها. وعندما تبدأ نشاطها ستصبح قدرا لا مفر منه بالنسبة للجار السوري القلق جدا وحلفائه، وهنا يصبح الوضع اللبناني إما باتجاه الانفجار الاخير او نهاية الازمة.

مع هذا فان استهداف السياح لا يفيد احدا من المتخاصمين، لأن السياحة ليست مصدر الدخل الحكومي الاساسي. كما ان استهداف مواطني الدول الأخرى سيزيد من الضغط على الاطراف المتورطة وليس العكس. لكن المنطق في غالب الاحيان ليس مصدرا جيدا لقراءة الوضع في لبنان، وكل منطقتنا. فالفوضى المستمرة في لبنان لم تخدم احدا، ولن توقف المحاكمة، ولا يمكن ان تحقق نتائج حاسمة لأي طرف مهما بلغ عناده وحتى دمويته. من هنا فان استهداف السياح قد يكون حالة انفجار، او امتداد للنزاع، الذي يتطور كل يوم سلبا، كما رأينا في الاشتباكات المحدودة الاخيرة. في نفس الوقت فان السياح يملكون اليوم خيارات كثيرة بديلة للبنان، على امل ان تفرج الغمة عنه، ويأتي الموسم اللاحق او الذي بعده وقد انتهت كل الازمة.

والذي لاحظه كثيرون ان اللبنانيين، رغم الاغلاق النيابي والفراغ الرئاسي والتعطيل الحكومي والتصادم المتقطع، استطاعوا تحقيق نمو اقتصادي جيد. والسر ليس في كرم السياح بل في تدفق مداخيل المهاجرين اللبنانيين في المنطقة وانحاء العالم على بلدهم. وفي تصوري ان الازدهار الحديث انعكس جزئيا على لبنان، بدون ان يعني ذلك انه لم يخسر بسبب الفوضى اليوم. فكما خسر اللبنانيون كثيرا بسبب الحرب الاهلية في السبعينات والثمانينات، إبان كانت المنطقة تنعم بمداخيل نفطية وفيرة، فانهم يخسرون الفرصة الذهبية الثانية. الذي يعرفه الجميع ان المواطن اللبناني، مهما كانت طائفته وانتماؤه، لا يملك القرار ولا يستطيع التأثير عليه، وبناء عليه على السياح ان يبحثوا عن مكان آخر وعلى اللبنانيين ان يصبروا.

[email protected]