اعمل واعقل واعقل واعمل

TT

نشروا في بغداد في أيام عقل صدام حسين شعارات ملأوا بها شوارع العاصمة تقول:«من لا يعمل لا يأكل». زج صدام بأستاذ في كلية القانون في السجن انتقد هذا الشعار وقال يجب تصحيحه بقلبه الى «من لا يأكل لا يعمل». لا أريد أن أنضم لأي من الرأيين لأن لي رأيا ثالثا أختص به ولم يعد صدام حسين حيا ليزج بي مع ذلك الأستاذ في السجن. الشعار الصحيح في رأيي هو: من لا يعمل لا يعقل».

لقد خلق الله تعالى الإنسان مفطورا على العمل. كل ما في حياته من الأكل واللبس الى الحب والجنس يقوم على العمل ويتضمن العمل. وأعتقد أن مصيبة آدم وحواء في الجنة هي انه لم يكن لهما أي عمل فوقعا في الإثم. يجتاح العالم الآن وباء الاكتئاب الذي أصبح يودي بحياة الألوف ويعذب الملايين ويكلف المليارات. الملاحظ فيه انه غالبا ما يصيب المدللين والمدللات. وهو شيء غريب. لماذا تكتئب فتاة في عز الشباب والجمال ووافر الترف والمال؟ لماذا تلجأ للكوكايين والكحول كما فعلت احداهن؟ الجواب هو ان علتها أنها لا تعمل ولا تحتاج لأي عمل. والأطباء يشيرون الآن على من تعاني من الكآبة وشتى العلل النفسية بالمبادرة الى العمل. فبالعمل ينسى الإنسان همومه ومشاكله إن كانت عنده هموم ومشاكل. أكثر من ذلك، كما أرى، ان الإنسان يبدأ بالشعور بأنه يساهم بشيء لمجتمعه وانه جزء منه وليس عالة عليه.

يسألني كثير من المسنين عن عزمهم على التقاعد. أجيبهم فورا فأقول: احذر من التقاعد. لقد لاحظت عمليا ان معظم أصدقائي الذين تقاعدوا وقعوا بعد قليل بشتى المشاكل الصحية والنفسية التي أنهت حياة الكثير منهم. يقول صديقي أنيس صايغ، ان كلمة متقاعد مشتقة من مت ـ قاعد. ولما كان كلانا مصرين على الحياة فقد أبينا التقاعد.

كنت أعاني قبل سنوات من آلام باطنية حيرت الاطباء. دعاني بعض الأصدقاء لقضاء يومين في بيتهم الريفي. وجدتهم منشغلين ببستنة حديقتهم. فانضممت اليهم، احفر وأقلع وأحمل وأحرق حتى انصرم النهار. وعند الغروب وقفت مندهشا: أين ذهبت كل تلك الأوجاع التي كنت أعاني منها؟ زالت عني كليا. العمل هو البديل الصحي السليم للأدوية والانهماك بالمخدرات والكحول والجنس.

إذا كان العمل يكرم الإنسان ويشفيه، فالعمل الزراعي المرتبط بالأرض أكرمها وأكثرها شفاء للنفس. الأرض أمنا. منها خلقنا الله واليها سيعيدنا. إنها هي التي تقيتنا وتسقينا وتفرش لنا صدرها عند التعب والمنام. بالتعامل معها تنتاب الإنسان مشاعر الطفل عندما يداعب صدر أمه ويرضع ثديها. ألا نجد أن الفلاح رغم كل بؤسه وفقره أكثرنا صحة وأقلنا تعرضا للمشاكل النفسية؟ هل سمعتم بفلاح ينتحر؟ وتذكروا كل المليونيرية الذين انتحروا في مراحيض بورصة نيويورك!

لا عجب أن نجد القرآن الكريم يشير للعمل بما لا يقل عن 350 آية كريمة.