العراق: اتفاقية بلا اتفاق

TT

تركز ادارة بوش على ضمان تراثها في العراق، لدرجة انها تتجاهل، مرة اخرى، الدستور. فبدون السعي لموافقة الكونغرس، فهي في طريقها نحو اتفاقية طويلة الأجل مع الحكومة العراقية تهدد بتعميق الالتزام الاميركي بدون دعم من الكونغرس وهو ما يتطلبه الدستور.

وخطط الرئيس بوش لإبعاد الكونغرس اثارت انتقادات متزايدة، شارك فيها كل من السناتور هيلاري كلينتون وباراك اوباما. وردا على ذلك بدأت الادارة في التراجع عن رؤيتها باتفاقيات عسكرية واقتصادية شاملة. وفي حديثها امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، قالت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ان الاتفاقية لن تحتوي على ضمانات امنية تلزم الولايات المتحدة بعدد ثابت من القوات او قواعد ثابتة. بينما ذكر وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي كان يتحدث امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي، ان الاتفاقية ستصبح مثل «اتفاقيات القوات الاخرى»، التي تتعامل مع حقوق والتزامات القوات المسلحة عندما تعمل في خارج الولايات المتحدة.

ومثل هذه الاتفاقيات، كما أسرع البيت الأبيض بتوضيحها، لا تتطلب موافقة من الكونغرس. وهو أمر حقيقي. ولكن مثل تلك الحقائق لن تكون كافية، بما ان الإدارة لا تزال تهدف الى اتفاقية تتعدى المدى التقليدي لتلك الاتفاقيات العسكرية المحدودة. ولا ينبغي السماح للاعلانات المزورة بالعمل كغطاء للواقع.

فعلى سبيل المثال تنوي الادارة اعفاء الشركات المدنية المتعاقدة من المسؤولية طبقا للقوانين العراقية. وهو ما يستمتع به العسكريون، ولكن يمكن محاكمتهم امام المحاكم العسكرية. وتلك المحاكم العسكرية ليس لديها اية سلطة على المتعاقدين المدنيين. وتحاسب القوانين الفيدرالية الحالية المدنيين العاملين لدعم وزارة الدفاع امام المحاكم الاميركية على جرائم ارتكبت في العراق. الا ان هؤلاء الذين يعملون لحساب وكالة الاستخبارات المركزية او وزارة الخارجية ربما يجدون انفسهم يعملون في مناطق «بلا قوانين» اذا ما اصبح للرئيس السلطة لإلزام اميركا من جانب واحد. وإذا ما حدث ذلك، فإن المتعاقدين المدنيين يمكنهم اطلاق النار على مدنيين عراقيين بلا سبب او ارتكاب اعتداءات جنسية ضد متعاقدين مدنيين آخرين بدون عقاب.

وتجدر الاشارة الى عدم وجود اتفاقية لوضع القوات، بما في ذلك تلك المستخدمة في اماكن مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، تحتوي على مثل هذه الاعفاءات واسعة النطاق.

ويرجع ذلك لسبب جيد. الرئيس، باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة لديه السلطات الدستورية للتوصل لاتفاقيات من جانب واحد تتعلق بالعسكريين وهؤلاء الذين يدعمونهم. ولكن الدستور يجعل قائدا اعلى لـ«الجيش والأسطول» وليس بالنسبة لكل الاميركيين العاملين في الخارج. فلا يمكنه التوصل الى اتفاقية مع العراق لاستثناء المتعاقدين المستقلين بدون موافقة الكونغرس على القانون. وعلى الاقل لا يجب على الكونغرس الموافقة بدون تعديل الاوضاع الحالية لضمان ان جميع المدنيين الذين يحصلون على حصانة من القوانين العراقية يمكنهم تحمل المسؤولية الجنائية امام المحاكم الاميركية.

والأسوأ من ذلك، فإن الادارة تحتفظ بكل خططها سرية. (كل ما عرفناه أتى من تسريبات في الصحف). وعقد الكونغرس جلستي استماع حول المدى القانوني للاتفاقيات العراقية، ورفضت الادارة الادلاء بشهادتها. وفي الوقت الذي ادلى فيه كل من غيتس ورايس بتصريحات مطمئنة، فإنهما لم يكشفا عن مضمون الخطط. وهو امر غير مقبول. والسناتور جوزيف بايدن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ من كبار نقاد المنطلق الانفرادي للادارة. ولكن اذا ما استمر الصمت، فيجب جعله مسؤولية لجنته للتقدم بمشروع قرار من الكونغرس يعلن عدم قانونية الاتفاقيات العسكرية التي تسعى لتعدي القيود التقليدية للوضع التقليدي لاتفاقيات القوات.

ولم يستخدم أي من رؤساء الولايات المتحدة السلطات الانفرادية لفرض التزامات دولية واسعة النطاق على الامة بدون دعم من الكونغرس. وهو خطأ بصفة خاصة للرئيس الذي تنتهي مدة رئاسته لتنفيذ مثل هذه الاهتمامات بخصوص سياسة مثيرة للجدل في قلب الجدل بين المرشحين الساعين لخلافته.

* أستاذان في كلية القانون بجامعة ييل الأميركية

خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)