الاتحاد المغاربي: أوجاع ومتغيرات ملحة

TT

نعتقد أنه قد مضى الوقت الذي يمكن أن نصف فيه ضرورة تفعيل الاتحاد المغاربي بالحلم. فالمجتمعات المغاربية اليوم متورطة حد النخاع، في ما طاب ولذ من مشاكل البطالة والإرهاب وبمخاطر الهجرتين: هجرة الكفاءات والهجرة السرية. وقد بلغ بها التورط درجة لا ينفع معها مواصلة التعاطي مع الوحدة المغاربية، كفكرة جميلة أو كمؤسسات جامدة ومعطلة ومقيدة الأيدي والطموحات.

وها إنه اليوم لا يفصلنا عن عشرينية تأسيس الاتحاد المغاربي سوى عام واحد بالتمام والكمال، ذلك أن الاتحاد المغاربي تأسس بتاريخ 17 فبراير 1989 بمدينة مراكش المغربية. وكما نرى، فإن اتحاد المغرب العربي وإن حقق بحكم تلقائية التدفق الزمني رصيدا تاريخيا، سيبلغ العام المقبل العقدين، فإن حصاده هزيل الشيء الذي يجعل من الصعب حتى وصفه بالرجل المريض. وإذا كان لا بد من ذلك، فإن وصفه بـ «الوليد المريض» هو الأقرب الى واقع الحال والمنجز.

وكلما فتح ملف الاتحاد المغاربي سياسيا أو إعلاميا قصد المحاسبة الشفوية على الأقل، فإن العائق القديم الجديد الذي يذكر ويعاد ألف مرة، يتصل بما يسمى بقضية الصحراء الغربية، التي حولت العلاقات الجزائرية المغربية من هدوء خاطف الى اشتعال وتوتر طويل المدى، رغم أن المنطق يفترض تجاوز هذه القضية في إطار الاتحاد المغاربي، خصوصا أنها أضحت من شؤون الأمم المتحدة.

وفي الحقيقة من خلال تجاذب أطراف الحديث وتقليب أوجاع مسألة الاتحاد المغاربي مع مسؤولين أشرفوا عليه، يتأكد الانطباع بأن السبب الرئيسي، يتمثل في غياب الإرادة الحقيقية والمشتركة للدول المغاربية المكونة للاتحاد.

بل ان هذه الإرادة في تراجع وتقهقر بعد أن خسرت الحرص الليبي الذي اختار لنفسه حاليا خيارات أخرى تتراوح بين الخيار الأفريقي والانفتاح على أوروبا وإبرام اتفاقيات ضخمة سواء مع بريطانيا أو مع فرنسا، وذلك بعد قطيعة تتجاوز عمر الاتحاد المغاربي نفسه. ويمكن القول إن الإرادة التونسية وحدها اليوم، التي لم تتخل ولم تتنازل عن إيمانها بمشروع الاتحاد منذ قيامه الى اليوم، وذلك على مستوى الخطاب والسلوك السياسيين. في حين أن الجزائر والمغرب اللذان يشكلان ثقلا سكانيا وطبيعيا، ظلت إرادتهما في صعود ونزول حسب مسار قضية الصحراء الغربية والمتغيرات، التي تشملها موقفيا أو من حيث القرارات، وإذ نلح على غياب معطى الإرادة المشتركة والمستمرة، كأهم سبب منتج لجمود هياكل الاتحاد، فلأن الحاصل اليوم يشير الى سيطرة عقلية التحرك المنفرد وكل بلد مغاربي، أصبح يراهن على علاقاته الأوربية ،وحديثا صار هذا الرهان يزاوج الرهان على التقارب الأمريكي من خلال اتفاقيات ومشاريع اقتصادية ضخمة.

والمشكلة أن ظاهرة التحرك المنفرد للبلدان المغاربية، تتوسع من دون وعي بالمتغيرات العالمية التي باتت لا ترحم ولا تعترف بالكيانات الصغيرة المجزأة، وكأن هناك حرصا مغاربيا على السير عكس التوجهات العالمية وضد المشاكل التي تتخبط فيها غارقة، والحال أن تفعيل مؤسسات الاتحاد المغاربي أهم وأقرب خشبة نجاة ماثلة بالقرب منها وأمام العيون والبصيرة. بل إنه حتى توقعات بعض المراقبين المتعلقة بتنامي ظاهرة الإرهاب وظهور ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، لم تلق إشباعا سياسيا أو حتى ما يسد بعض الرمق والعطش. إنها حالة من السكون متواصلة رغم تراكم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتضخم حجم البطالة وهجرة الكفاءات الى خارج جغرافيا المغرب العربي. لذلك فإن المطلوب خلال الأشهر القادمة أن تمارس وسائل الإعلام في المغرب العربي والنخب الفكرية والاقتصادية وخصوصا المنظمات الشبابية والجمعيات ضغوطات قوية على النخب السياسية المغاربية الحاكمة، للقيام بوقفة حازمة واستغلال ذكرى عشرينية الاتحاد في السنة المقبلة للإعلان عن مشاريع تم الانطلاق في أشغالها، حيث لن يجد القادة المغاربة من ينصت لخطب الشعارات ولن يقبل أبسط مواطن مغاربي عدم انعقاد القمة المغاربية المؤجلة منذ سنوات طويلة.

[email protected]