باراك أوباما يعيد جون كينيدي إلى أميركا

TT

كان لدعم السناتور ادوارد كينيدي، للسناتور باراك اوباما للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة التي ستجري في العام الحالي، نتائج متعددة على المديين القصير والبعيد. فعلى المدى القصير، وبسبب المكانة الهائلة للسناتور ادوارد كينيدي في الحزب الديمقراطي انخفض الهامش الذي فازت به هيلاري كلينتون في «الثلاثاء الكبير» في ولايات ماساشوستس ونيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا في 5 فبراير، اما النتائج على المدى البعيد هي اعادة دعم وتأكيد ـ في عقول الاميركيين ـ هوية السناتور اوباما باعتباره جون كينيدي «آخر» الرئيس الاميركي في الفترة بين عامي 1961 و1963 والذي عملت في خدمته لمدة 11 سنة.

ومثل جون كينيدي، فان اوباما شاب خطيب مفوه خريج جامعة هارفارد، ينقل افكاره التقدمية والمعتدلة في خطابات الحملة وتؤكد الأمل والتغيير والنوعية الجديدة من السياسات بالنسبة لكل الاميركيين. وواجه كينيدي، مثل اوباما وتغلب على عقبات ديموغرافية جعلت ترشيحه عملا شجاعا وغير متوقع بالدرجة الاولى ـ ان عقبة لون الجلد بالنسبة لاوباما، تماثل عقبة الدين التي واجهت الكاثوليكي في حالة كينيدي.

ولم يصوت الجميع لكينيدي. وقد فاز بالتصويت الشعبي في نوفمبر 1960 بأقل من ربع في المائة، بينما يعلم اوباما ان عنصره سيمنع العديدين من التصويت لصالحه. ولكن جاذبيته بالنسبة لشباب الروح والعمر تتجاوز اعتبارات الجنس واللون والدين والمنطقة بل والحزب، حيث ينجذب الى شعاراته الجمهوريون والمستقلون.

فالعديد من الاعضاء الديمقراطيين الجدد في الكونغرس يؤيدون ترشيحه لمثل تلك الاسباب، وهم على ثقة بأن الناخبين الشباب والأقليات والمستقلين وغيرهم سيؤيدون القائمة التي يرأسها اوباما، وبالتالي يسمحون له بإدخال مجموعة كافية من الاغلبية العاملة لتطبيق سياسات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها من البرامج التي لم يتمكن الرؤساء الديمقراطيون من تطبيقها طوال 40 سنة. ومن الواضح ان مقترحات اوباما بشأن الرعاية الصحية لديها افضل فرصة للتطبيق.

ومثل كينيدي، فإن اوباما رجل سلام يفضل الدبلوماسية المتعددة عبر تحالفات دبلوماسية متعددة وإصلاح العلاقة مع الامم المتحدة باعتبارها الاولوية الاولى في السياسة الخارجية الاميركية بدلا من اللجوء اولا الى التفوق العسكري بطريقة جورج بوش. وهو السبب في كون اوباما المرشح الوحيد للرئاسة في الحزبين الذي يعارض الغزو الاميركي البشع الانفرادي المفروض انه استباقي للعراق حتى قبل ان يبدأ.

وهذا هو السبب في انه المرشح الوحيد في الحزب الديمقراطي الذي يفضل التواصل مع قادة جميع دول العالم، بما في ذلك هؤلاء الذين يتسمون بالعداء لنا مثل ايران وسوريا وغيرهما ـ مثلما فعل جون كينيدي بنجاح لحل ازمة الصواريخ الكوبية عبر رغبته في التوصل الى حل مع الزعيم السوفياتي خروتشوف. وفي تلك الازمة التي يشير الخبراء اليها باسم «أخطر 13 يوما في تاريخ البشرية»، اظهر كينيدي قدرة عظيمة على التقييم في اختيار مساره، ومجموعة مستشاريه وتوقيت ولهجة ردود افعاله.

وقد وصف كل من كينيدي واوباما، في بداية حملتهما الانتخابية، بأنهما صغيران (كان كينيدي اصغر من اوباما اليوم) وقليلا الخبرة فقد انتخبا للمرة الاولى في مجلس الشيوخ. الا انه كان لأوباما وكينيدي الوقت الكافي واظهرا قدرة عظيمة على اصدار الاحكام، وهي اهم صفات الرئيس.

وفي فترة الأخطار المحدقة في غالبية أنحاء العالم، عندما يستعدي بوش بتهور ما يزيد على مليار مسلم على الرغم من مخاطر تعرض المجتمعات المفتوحة للهجمات الانتحارية، فإننا في حاجة إلى زعيم جديد متفهم وملتزم بالسلام العالمي، يكون قد عاش خارج الولايات المتحدة، مثل كينيدي، وتفهم احتياجات وقيم الدول الأخرى ويتمتع بأفق لا يكتسبه إلا من عاش خارج الولايات المتحدة. اوباما هو مرشح الرئاسة الوحيد الذي يتوفر فيه هذا الجانب، وهو المرشح الوحيد الذي ظل يعارض بانتظام الحرب في العراق، ويعارض التمييز ضد المسلمين ونهج المواجهة إزاء إيران.

سيرشح الجمهوريون في الغالب جون ماكين، وهو شخص صاحب سجل عسكري وسياسي مشرّف. أيد ماكين بقوة سياسات بوش المتشددة على الرغم من الشعور بالإحباط لدى قطاعات متزايدة من الناخبين بسبب الحرب وسياسات بوش. أقول واثقا هنا ان الديمقراطيين لن يتخلوا عن أي سلاح فاعل في انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل بتقديم مرشح في مواجهة ماكين، الذي أيد حرب العراق في بدايتها.

باختصار، تجربة اوباما، في الواقع الدولي وفي اتخاذ قرارات تحت ظروف ضاغطة وكأستاذ يعرف الدستور الاميركي الذي ظل بوش ينتهكه، أكثر انسجاما وتوافقا مع الرئاسة.

ضحك كينيدي على المسألة برمتها. شأنه شأن اوباما، كان لديه حس فكاهي متميز، بما في ذلك المقدرة على الضحك على نفسه بحسه المتواضع المثير للاهتمام. وأثبت خلال أحداث «خليج الخنازير» في أول 100 يوم له في الرئاسة انه عازم على الاعتراف بالخطأ والتعلم من أخطائه.

قال كينيدي لرجال دين بروتستانت في هوستون، بولاية تكساس، انه «لم يكن مرشحا كاثوليكيا للرئاسة، وإنما مرشح ديمقراطي تصادف ان ولد لأسرة كاثوليكية». باراك اوباما ليس «مرشحا أسود» ـ وهي العبارة التي حاولت حملة هيلاري كلينتون تهميشه بها. هو في الواقع أفضل مرشح للرئاسة، وتصادف ان ولد لأب من اصل أفريقي. هذا هو السبب الذي دعا تيد كينيدي لتأييده، وهذا هو السبب أيضا في انه سيبدأ فترة أفضل في التاريخ الاميركي لدى انتخابه في نوفمبر المقبل رئيسا للولايات المتحدة.

* مستشار خاص للرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي.

خدمة «غلوبال فيوبوينت» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)