سياسة.. واقتصاد

TT

كما يمر العالم بفترة تقلبات سياسية حادة وتوازنات وتصادمات عالمية بين عالم قديم وعالم جديد لا تزال معادلاته في طور التشكل، فانه يمر بنفس التقلبات على الصعيد المالي والاقتصادي بمعطيات ومعادلات جديدة نشهدها في الاسواق العالمية، وتمتد بتأثيرها الى كل مناطق العالم.

التوازي في هذه التطورات على الصعيدين السياسي والاقتصادي يرمز اليه حدثان اسثنائيان لا رابط بينهما، لكنهما يعكسان فترة تحول وانتقال متوترة على الصعيدين.

سياسيا؛ شهدت اوروبا ولادة دولة جديدة هي كوسوفو ذات الاغلبية الالبانية المسلمة ضد رغبة صربيا وروسيا، وبمباركة من الكثير من الولايات المتحدة، والكثير من الدول الأوروبية لتفتح البابَ أمام مواجهات جديدة أو حوارات تؤدي الى مساومات واتفاقات تستوعب الواقع الجديد.

الحدث الثاني الاستثنائي اقتصادي في بريطانيا، فلأول مرة منذ اكثر من 3 عقود على الأقل تؤمم الحكومة بنكا كبيرا هو «نورثرن روك» الذي ضربته عاصفة أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة بعد ان تم ضخ ما يصل الى حوالي 50 مليار دولار فيه لإنقاذه من ازمته، وتبدو المسألة وكأنها عودة الى سياسات اشتراكية قديمة تخلى عنها العالم، لكن الفارق كبير فتدخل الحكومة وملكيتها البنك مؤقتا لحين تعويمه والعثور على مشترٍ يحملان معهما مخاوف من قبل موظفيه بخطط لتقليص الوظائف وتخفيض العمليات التي يعتبرها البعض كانت تحمل مخاطر عالية وأدت الى متاعب البنك.

تقلبات وتوترات السياسة الدولية تبدو في عودة أجواء مشابهة لمرحلة الحرب الباردة مع التصادم الواقع بين روسيا والولايات المتحدة حول قضية الدرع الصاروخي في دول الكتلة الشرقية السابقة التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، ومناطق التماس الاخرى مثل ايران والشرق الاوسط وقضايا حقوق الانسان والديمقراطية التي تعتبرها موسكو تدخلا في شؤونها الداخلية. كما ان التحولَ يبدو من خلال محاولات استيعاب القوى الجديدة التي تنافسُ القوى القديمة سياسيا واقتصاديا، وهي الصين والهند، والصراع خاصة مع بكين على الفضاء الخارجي، خاصة في مجال الأقمار الصناعية واستخدام السلاح في الفضاء. ولا زالت القضايا القديمة مثل الارهاب وصراعات وتوترات الشرق الاوسط وشبه القارة الهندية وأفريقيا قائمة لكنها تفاصيل في الخريطة العامة وأوراق لعب ومساومات بالنسبة للقوى الرئيسية التي تشكل الخريطة الجديدة.

وكذلك في الاقتصاد هناك حالة جديدة تتشكل مع المنافسة الشديدة على تأمين الطاقة وجوع القوى الاقتصادية الجديدة للنفط والذي ترافق معه ارتفاع الاسعار الى مستويات غير مسبوقة، وانخفاض كبير في الدولار، وتراكم سيولة هائلة يزداد دورها في الاقتصاد العالمي ممثلة في الصناديق السيادية التي تستثمر الفوائض الضخمة لدول نفطية ودول آسيوية وتقدر بـ2 الى 3 تريليونات دولار، مما دعا عدة دول غربية الى الدعوة الى شفافية أكبر في عمل ومشتريات هذه الصناديق في الاسواق الدولية.

هل يعني كل ذلك ان العالمَ مقبل على فترة مواجهة وتصادم حادٍ؟ الأرجح لا. وهناك مؤشرات على ذلك، فاقتصادياً مثلا ورغم المنافسة الضارية، فان الصين بما تملكه من فوائض مالية ضخمة تجاوزت التريليون دولار تمول العجز الأميركي ولها مصلحة في ذلك لأن انكماش هذه السوق الضخمة سيعني ان الانكماش سيصدر الى اقتصادها المعتمد على التصدير بالدرجة الاولى. وايضاً، فان المصارف والمؤسسات المالية الاميركية والغربية التي عانت من انكماش السيولة المتاحة وجدت في اموال الصناديق السيادية إنقاذاً.

سياسياً؛ الأرجح على المدى الطويل ان تستوعب روسيا قضية استقلال كوسوفو وتساوم عليها باستقلال منطقتين في جورجيا، أو ان تدخلها في مساومات ازمة الدرع الصاروخي، والخلاصة صحيح ان هناك تضاربا في المصالح لكن هناك ايضا التقاء في مصلحة التعاون وعدم الوصول الى نقطة خطرة في التصادم.