«حكايات رجال»

TT

قرر الدكتور زياد بن عبد الله الدريس ذات مرة أن يعتمر قبعة «التحري» ويذهب إلى الشيخ عبد العزيز التويجري «لاستجوابه»، ليس كصحفي وإنما «كمحقق»: من أين للرجل الثمانيني هذا الفكر؟ ومن أين له ذلك الأسلوب؟ ومن يصب البلاغة على حبره، بل ببساطة واقتضاب: من يكتب لك أيها الشيخ الجليل؟

ويقول زياد الدريس إنه دخل على عبد العزيز التويجري والرجل في الثمانين من العمر «وخرجت من عنده وأنا في الثمانين من عمري». ويقول «التحري» إنه اكتشف أن المتنبي وأبا العلاء علما التويجري القراءة في واد منعزل قرب قريته «وهما من صارا يكتبان له فيما بعد على الدوام. أخذ من حكمتهما وأخذ من فروسية المتنبي وأخذ من تأمل المعري». وعندما سأل «التحري» صاحب «رسالة إلى ولدي» و«حاطب ليل ضجر» عما إذا كان بدويا أو حضريا قال له: «أنا حضري وبدوي مثلك تماما. انظر إلى نفسك. إنك تغار على عائلتك وعلى أسرتك وعلى أقربائك. هذه هي البداوة. إنها في كل واحد فينا».

أصبح «التحري» سفير السعودية الآن لدى «الاونيسكو». ولا يزال زميلا يكتب بانتظام. وعندما قدم لي كتابه «حكايات رجال» بدأت بقراءته من الفصل الذي عن «أسير الجنادرتين»، ذلك الشيخ الأديب والمؤرخ الذي ستعقد «الجنادرية» هذا العام في غيبة عنه. لم يكن أبو عبد المحسن قامة أدبية بل كان حالة أدبية قائمة. من العمل يافعا في جهاد الملك عبد العزيز إلى العمل دوام العمر إلى جانب الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولكن على مدى المسيرة لم يكن «أسير الجنادرتين» بل كان أسير الصورتين: الأولى كمسؤول إلى جانب الملك عبد الله في مهام الحرس الوطني، والثانية، أو الصورة الملازمة، كرجل شغفه الثقافة والأدب والشعر. وطبعا، التأريخ.

وكانت «الجنادرية» تشبهه إلى حد بعيد. فيها الكثير من انفتاحه، وفيها الكثير من فروسياته الأدبية، وفيها الكثير من ذلك التناغم بين البداوة والحضرية، بين الصحراء و«زوايا المدينة»، بين التمسك بالتقاليد والحرص على النمو. وفي كل ذلك ظل يسهر، كما فعل في منعزل الوادي، على ضوء سراجين: المتنبي والمعري.

يضم «حكايات رجال» رجالا كثيرين وفصولا كثيرة. كتبت كلها بأسلوب زياد الدريس. ويكاد الكتاب يكون تدويناً لسير عدد من كبار المعاصرين، الذين نظر إليهم هذا «التحري» المحب والنبيل، من رؤية خاصة، وبحث في حياتهم عن نقاط مختلفة قرر التوقف عندها. وإذا كنت قد اخترت الفصل المتعلق بالشيخ التويجري فلأن المناسبة حكمت وقضت. وكل فصل آخر مشوق وماتع.