كاسترو.. النهاية

TT

الزعيم الثائر فيدل كاسترو استطاع بتوقيع ذكي أن ينهي رئاسة عمرها قرابة نصف قرن، ليستمر زعيما روحيا لسنين طويلة. أدرك الرجل العليل أن العمر والصحة، لم يسعفاه للبقاء رئيسا في كوبا لفترة أطول فقرر الرحيل بنفسه، ومنح نفسه مكانة جديدة ليحافظ على صورته كأسطورة في بلده، حتى وإن كان قد انفرد بسدة الحكم لأعوام طويلة، وتفرد بالسلطة وحيدا.

ناكف الزعيم الكوبي الولايات المتحدة الأميركية طويلا، وعاصر قرابة تسعة من رؤسائها، وكان دائما على أجندتهم، وفي خطاباتهم. عاند أميركا طوال حياته، حتى في خطاباته المطولة، بل انه في إحدى المرات هاجم «الإمبريالية الأميركية» ثماني وثمانين مرة في خطاب واحد. ولم يكن ودودا تجاه أميركا إلا مرة واحدة في قصة الطفل الكوبي، الين غونزالز، الذي كان عمره سبع سنوات في عام 1999، وذلك عندما سمح الرئيس السابق بيل كلينتون بعودة الطفل إلى أهله، وحينها أعلن كاسترو تقديره للخطوة الأميركية مؤكدا «غدا يستمر النزاع». فهو الرجل الذي كتب قبل واحد وثلاثين عاما لرفاقه «قدري سيكون حرب أميركا».

لكن، ويا لعجب الأقدار، خرج بالأمس الرئيس جورج بوش مطالبا بأن تكون استقالة كاسترو تحولا ديموقراطيا حقيقيا في كوبا، في الوقت الذي بدأ فيه القطاع الاقتصادي الأميركي يستعد لمرحلة ما بعد كاسترو، خصوصا أن هناك حظرا أميركيا تجاريا على كوبا. وبالطبع لن يهدأ الملف الكوبي في الانتخابات الأميركية، فاللوبي الكوبي، خصوصا في ميامي، قوي ومؤثر في الانتخابات الأميركية.

لكن المهم، اليوم، هو أن الرجل العجوز عرف كيف ومتى يغادر.. كتب النهاية قبل أن يكتبها الموت الذي قد يغرس أنيابه في أية لحظة، وهذه سنة الحياة. في خطاب استقالته خاطب الشعب الكوبي قائلا «واجبي الأول بعد سنوات من الكفاح، هو إعداد (الشعب) لغيابي نفسيا وسياسيا». وهكذا استطاع أن يكتسب شرعية أخرى في التاريخ الكوبي.

وهنا لا يملك المراقب إلا أن يستحضر صورة لأحد أصدقاء فيدل كاسترو، وهو صدام حسين، كيف تصرف بحق العراق ونفسه، وكيف تصرف كاسترو اليوم. كان بإمكان كاسترو إغاظة أعدائه الأميركان بموته، لكنه لم يفعل، فبعض الانتصار هزيمة. وهذا ما لم يفطن له صدام حسين عندما اعتقد أن الأوطان مثل شوارب الرجل، إن دفن الزعيم دفن الشارب (الوطن) معه.

في المقاييس العادية يحاسب الزعماء على ما حققوه من إنجازات لأوطانهم، وفي المقاييس العربية البالية، حيث النماذج التي مرت في تاريخنا، فلا بد أن ننظر لفيدل كاسترو من باب المقارنة، حيث لم يرْمِ الزعيم الثائر، طوال عمره، كوبا في غياهب المجهول فقط عنادا بالأعداء، ولم يربط شرف الكفاح به، ولم تخرج الجماهير تبكي مطالبة إياه بان لا يتنحى، في مظاهرة كاذبة.

قد يخلف كاسترو في السلطة أخوه راؤول، وقد يقبض رجال الحرس القديم على السلطة، وتصبح أيام فيدل كاسترو الماضية بكل جنونها أفضل مقارنة بالحاضر، إلا أن الأكيد هو أن نجم الزعيم الكوبي قد أفل، باختياره. واليوم سنرى ماذا فعل عناد زعيم بتلك الجزيرة الجميلة.. كوبا.

[email protected]