أين أخطأ الدنماركيون؟

TT

صحيح ان لا أحد هذه المرة قاطع المنتجات الدنماركية، ولم تسر مظاهرات في شوارع دمشق او كراتشي ولم تصدر تهديدات بالقتل ضد أحد، رغم ان الصورَ المسيئة للاسلام نشرتها 17 صحيفة دنماركية. لكن في نظري أن ما حدث في الماضي ما كان يستحق حتى الاحتجاج، أما اليوم فان الأمر مسيء بالفعل.

الذي أعنيه انه عندما نشرت الرسوم السيئة في سبتمبر (أيلول) 2005 كان ذلك عملا فرديا في صحيفة هامشية في الدنمارك، وبالتالي كان مثل كثير من الاعمال المعادية على مر التاريخ، ويعبر عن حالات فردية لم يكن لها تأثير، وما كان يفترض ان تقوم تلك الاحتجاجات الضخمة التي نبهت الى الفعل المشين وخدمته وأساءت الى مفهوم الاسلام اكثر مما دافعت عنه. الآن نحن نرى وضعا مؤسفا. فهي حملة قامت بها كبريات الصحف الدنماركية دون سبب مبرر، وفي ذلك تحامل ضد المسلمين، لا الاسلام وحده. والحقيقة انه في المرة الأولى، اي قبل عامين، كان هناك حق بالتعبير رغم قباحة الفعل. اما الآن فهي حملة متعمدة وتشابه في وجهة نظري ان تقوم صحف عربية كبيرة بالترويج لفكر بن لادن الداعي للارهاب والتخريب. فنشر الرسوم جماعيا ليس فيه تعبير عن حرية الرأي بل إمعان في الاساءة لفئة كبيرة من الناس حول العالم، وتحريض الآخرين ضدهم.

واعتقد ألا أحد يستطيع ان يتصور ان تنشر الصحف الاوروبية جماعيا عملا ادبيا او فنيا مؤيدا للعنصرية ضد السود او اليهود او غيرهم ضمن حملة مشتركة فقط من اجل التأكيد على حرية التعبير او تحدي رأي هم على خلاف معه. فمعظم العاملين في المجال الصحفي والثقافي يحترمون عادة قواعد ترفض اثارة النعرات بين الاعراق والطوائف من خلال الامتناع عن نشر أعمال صريحة في عنصريتها. وعندما تفعل، وذلك أمر نادر، فإنها تحاصرها بما هو ضدها.

نحن نعرف ان الصحف الدنماركية قامت جماعيا بإعادة نشر الرسوم المسيئة للتأكيد على ان لا أحدَ يستطيع ان يُركِعَهَا من أي ديانة كانت، خاصة من المسلمين، وهذا امرٌ لا نعترض عليه على اعتبار ان الاعلام الاوروبي عموما معتاد على نقد كل الاديان بما فيها ديانته المسيحية، لا الاسلام وحده. ومن المألوف في كل مكان بالعالم ان نسمع نقدا من أتباع كل دين ضد الأديان الأخرى. لكن المؤسف ان الصحف الدنماركية المحترمة وقعت في مستنقع الكراهية التي تتهم المسلمين به عندما فعلتها من قبيل التحدي. والتحدي بكل أسف ضد مسلم فرد واحد متطرف، قيل إن الشرطة قبضت عليه كان ينوي اغتيال الرسام. فهل يعقل ان يُحاسب ملايين المسلمين بسبب ارهابي واحد؟ انه امر غريب حقاً.

على المثقف الدنماركي ان يفرق كثيرا بين افراد او جماعات هددت او تآمرت لارتكاب اعمال ارهابية بسبب تلك الرسوم وبين عامة الناس من المسلمين. كما ان عليه ان يفرق بين الإصرار على حرية التعبير وبين التضامن في حملات عنصرية ضد الأقليات. فالذي يحدث اليوم أن الاقليات المسلمة في اوروبا تعاني الكثير بسبب هذه النظرة العنصرية التي سببها لهم المتطرفون من الاسلاميين بالدرجة الأولى، وبسبب ردود الفعل العنصرية المضادة لها بدرجة ثانية.

[email protected]