العلامة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد (رحمه الله) : حراسة حق .. وفقه نوازل .. وجهاد قلم

TT

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فان فقد أهل العلم نازلة، ورحيلهم كارثة، وغيابهم في الدين ثلمة، ومصاب المسلمين بهم جلل، وحزن أهل العلم عليهم عظيم.

كواكب تتهاوى، وشموس تغيب، ونجوم تأفل، وأنوار تنطفئ، علماء يقبضون، وفضلاء يرحلون، هم نور الدجى، وضياء الحياة، وزينة الدنيا (فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون).

ومن هذه الكواكب والشموس الشيخ العلامة البحاثة الفقيه بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس المجمع الفقهي الإسلامي الدولي وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعضو اللجنة الدائمة فيها، فقد اخترمته المنية منذ أيام وقضى أجله واختاره الله إلى جواره فرحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.

فلقد ثلم في الأمة بفقده ثلمة، وفتحت بوفاته ثغرة، ولكن هذه الأمة بفضل الله ورحمته ولود فلعلها بعون الله أن تجود بمثله وأمثاله.

لقد أفاء الله عليه علما غزيرا ووهبه بصيرة نافذة، فهو أحد أساطين العلم، ومنارات الفقه، وأعمدة الفتوى، وحراس الفضيلة، ونوابع الفكر، وأعلام المصنفين، أفتى بعلمه، وجاهد بقلمه، ودعا إلى الله على بصيرة.

إمام في النوازل، وشيخ في تحرير المصطلحات، وجهبذ في التأصيل، ومحقق في التراث، من أدلة السالكين والموقعين عن رب العالمين، محدث فقيه، لغوي نسابة، من كبار العلماء، وعلية الباحثين، في ذهن متقد، وهمة عالية، وبحث دؤوب، كان رحمه الله قويا في موضع القوة، حازما في مقام الحزم، صفتان لم يفقداه التوازن ولم يجنح إلى المثيرات، يصحح العقائد، ويحرر المسائل، وينافح عن السنة، يتمتع بصبر وجلد ومثابرة، ينقب ويفتش، يقدر علمه من غالب عصي المسائل، ودقائق المباحث ومسالك الطلب.

علم غزير ولغة رصينة ونهج سديد واختيار في التصنيف متميز، يأخذك العجب في جمعه بين الأدب الجم وسلوك سبيل الحزم، رسم منهجية في التأليف والحوار والردود، متصل ومتواصل مع مصادر التشريع كتابا وسنة ثم اجتهادا واستنباطا.

حازت مؤلفاته على الإعجاب، وتسابق إلى اقتنائها المقتنون، لم ينأ بفقهه عن الواقع ولم يسلك في فتاواه مسالك الإغراب والشذوذ.

تراثه من تراث الأمة، ظاهره ألفاظ جزلة، وباطنه معان نفيسة في جمال تأليف وجودة تصنيف.

أدّب بأدب الهاتف، وصان عن مناهي الألفاظ، وحذر من التعالم، ونظم الحلبة لطالب العلم، ورسم أصول التأليف، وأفتى في النوازل، وبحث في مستجدات العصر الطبية والمصرفية.

رد على المخالف، وحذر من التحريف في النصوص، والاشتغال بتصنيف الناس، نافح من أجل درء الفتنة عن أهل السنة وأعلن براءتهم من الوقيعة في علماء الأمة. كما أقام الرقابة على التراث يقصد إلى الحق وينتصر للدليل.

تقلد رحمه الله مناصب وتسنم مراتب برزت فيها شخصيته وحكمته وفضله وحسن إدارته وحزم مسلكه.

فقد اعتلى منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأم في مسجده ودرّس، كما جلس في مجلس القضاء، ثم تولى منصب وكيل وزارة العدل، كما كان أحد أعضاء هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وتولى رئاسة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ما يزيد على عشرين عاما، ولقد تركت شخصيته العلمية والإدارية أثرا ظاهرا في كل منصب تقلده وموقع شغله. أما المجمع الفقهي فقد سار فيه سيرة حميدة وإدارة حكيمة فتركه مرجعية فقهية للأمة، رسخ للمجمع مكانته لدى العلماء وطلاب العلم والباحثين في اجتهاد جماعي وفقه مجمعي وفتاوى فقهية وقرارات شرعية تتمتع بدرجة عالية من الثقة والقبول.

أصبح المجمع مقصدا يؤمه فقهاء الشرع وخبراء العصر، ومنتدى ينتظره رجال العلم ورجال المال وأهل الاقتصاد والطب والفكر.

وبعد فلئن رحل الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله فقد خلد تراثا ثرا وعلما جما ينتفع به بعده إن شاء الله ليمتد أجرا له وذخرا وصدقة جارية.

سيبقى الشيخ بكر بإذن الله أحد رموز هذا المجمع يجلجل ذكره في كل ملتقى، وفي كل قرار، وفي ندواته المتخصصة وحلقاته العلمية بل سوف يذكر مع كل همة للمجد علية.

رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وخلفه في أهله خيرا وأصلح ذريته وعقبه وعوض المسلمين العوض المبارك.

* رئيس مجلس الشورى

رئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي