الحرب الإقليمية التي يتوقعها الجميع.. لن تقع

TT

بعد مقتل عماد مغنية وما رافقه من تهديدات لـ«حرب مفتوحة» قد تتجاوز «ارض المعركة»، بدا هناك نوع من سباق ما بين الرغبة في تجاوز الإحراج الذي خيم وبقوة على سوريا وإيران و«حزب الله»، وبين محاولة الإيحاء بالهرب الى الإمام، خصوصاً من قبل ايران و«حزب الله»، ذلك لأن سوريا، مهما كانت المشكلة المحرجة فإنها تفضل دائماً التزام الصمت.

ومع مجيء وفد من «الحرس الثوري» الإيراني الى بيروت للتعزية المرفقة بتهديد بحرب لإزالة إسرائيل، ومع ارتفاع الحرارة في الخطاب السياسي لـ«حزب الله» الذي ربط حقه في الاحتفاظ بسلاحه «حتى يتحقق حلم إزالة إسرائيل من الوجود» (المسؤول عن منطقة البقاع في الحزب النائب السابق محمد ياغي في الذكرى السنوية لأمينه العام السيد عباس الموسوي)، كثر الحديث عن حرب إقليمية قريبة. ويساعد الحديث من هذا النوع، سوريا وإيران والحزب على الاستمرار في «اللعبة القائمة» لأنها تبعد عن كل طرف المساءلة المشروعة. وفي اتصال مع مصدر غربي مطلع جداً، استبعد وقوع مثل هذه الحرب، فالحديث عن احتمال وقوع الحرب للتخويف، لا يعني الحث على الحرب أو الاستعداد لها، ثم ليست هناك من آلية تؤدي الى الحرب.

إن إسرائيل غير مهتمة بحرب إقليمية، لأن همها الأساسي هو إيران، ولا تريد الانخراط في أي عمل يبعدها عن التركيز على الهدف الإيراني، لأنه إذا ما انشغلت بحرب إقليمية، وواصلت إيران سعيها للحصول على سلاح نووي، فإن النتيجة تكون كارثة على إسرائيل. إن سوريا أيضاً لا تريد الحرب، فهي ليست مستعدة لها لأنها بدأت للتو في تحديث جيشها ولا تشعر بثقة تدفعها الى ذلك، وبالتأكيد حسب محدثي، فإنها «لا تريد حرباً طالما أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في البيت الأبيض، وطالما أن في فرنسا الرئيس نيكولا ساركوزي، والاثنان من ألد أعداء سوريا، إن هدف سوريا تهدئة كل الأمور، وكأن شيئاً لم يحدث. ثم إن مصر لا تريد الحرب وكذلك الاردن».

ويقول المصدر الغربي المطلع: «إن الشيء الوحيد الممكن أن يحدث، هو أن يتهور «حزب الله» ويبدأ حرباً على إسرائيل، عندها ستتورط سوريا، لكن لن تكون حرباً إقليمية، بل ستكون حرباً بين إسرائيل وسوريا و«حزب الله» في لبنان». من هنا، لن تقع حرب إقليمية قريباً، مع عدم استبعاد تطور بعض الظروف على المدى البعيد، مما قد يؤدي لاحقاً الى هذا النوع من الحرب، إنما لا حرب في الأسابيع المقبلة، إنها ليست خياراً مطروحاً. ويؤكد المصدر الغربي المطلع، أن العرب لا يريدون أي نوع من الحرب الإقليمية حيث لإسرائيل حلفاء أقوياء سيدعمونها في كل الحالات، مهما فعلت، كما أن إسرائيل لا تريد حرباً إقليمية، لأن قضيتها الأساسية إيران.

لكن ماذا عن إيران؟

يقول محدثي: «إذا كانت الحرب من النوع الذي يبعد التركيز عن إيران، فلربما تساعدها، لكن إيران متخوفة، كون كل الأطراف الراديكالية مرتبطة بها: سوريا، «حزب الله»، «حماس» و«الجهاد الاسلامي»، لذلك، إذا ما وقعت الحرب، فإن الحوافز لضرب إيران سوف تتزايد».

منذ مقتل عماد مغنية، كثرت تهديدات المسؤولين في «حزب الله»، لكن كل التهديدات مرتبطة بعامل: «إذا ما تجرأت إسرائيل وضربت لبنان»، لكن، ماذا إذا وقع العكس، أي كما هدد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، بالانتقام لمغنية خارج «ساحة المعركة الشرعية»؟ كل الإشارات تفيد بأن «حزب الله» لا يريد حرباً كبيرة مع إسرائيل، وهذه الأخيرة بالتالي لا تريد الحرب، لكن، إذا حصل تطور ما أنتج حرباً إسرائيلية على لبنان، لربما تتمدد الى سوريا، إنما ليس أبعد من ذلك. لهذا من المستبعد جداً حصول مواجهة عسكرية كبيرة في الأسابيع المقبلة. حتى على الصعيد المحلي في لبنان، وعلى الرغم من المناوشات التي تحصل هنا وهناك، فإن أياً من الأطراف اللبنانية لا يريد حرباً.

يقول محدثي: «إذا ظهر أن «حزب الله» يخسر في لبنان، فإن إيران ستقع تحت ضغط كبير للتدخل، والأولوية للإيرانيين الآن إكمال برنامجهم النووي، لأنه في اللحظة التي تملك طهران السلاح النووي فإن كل قواعد اللعبة سوف تتغير، ويتحسن الوضع الإيراني الى حد كبير».

إن «حزب الله» يعرف حساسية المرحلة التي تمر بها إيران ويعرف أنها تريد أن تتجنب أي تطور يثنيها عن مواصلة برنامجها النووي. وما يمكن أن يعرقل المثابرة الإيرانية، هو إما عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة وإسرائيل معاً، وإما حصار بحري يفرضه الأسطول الأميركي على إيران. ومن المؤكد أن إيران تريد تجنب كل ردود الفعل هذه، أو ما يمكن أن يجر اليها، لأن هدفها الحصول على السلاح النووي. ويقول محدثي: «إن كل الأحداث في المنطقة تقزمت مقارنة بالخطر النووي الإيراني».

وفي لقاء مع بعض السياسيين العرب، كان التساؤل عن السبب الذي دفع «حزب الله» الى المبالغة في تحمّل خسارة عماد مغنية كقائد عسكري كبير في الحزب، والاندفاع في إظهار نية الانتقام له، ذلك أن العمليات الإرهابية الضخمة التي نفذها مغنية، مثل تفجير السفارة الإسرائيلية والمقر اليهودي في بيونس آيريس ـ الأرجنتين، وخطف الطائرة الكويتية «الجابرية» ومحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد والتفجيرات التي وقعت في المنطقة الشرقية في السعودية كانت لمصلحة إيران الثورة.

لكن، هل ان مقتل مغنية في دمشق يؤثر سلباً على تماسك النظام السوري، حسب المصدر الغربي المطلع، فإن إسرائيل لا تؤيد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي فان مقتل مغنية لا يعرضه للخطر، لكن النظام محرج جداً لأنه للمرة الثانية، يقع حدث بهذا الحجم في سوريا ـ الاول عندما قصفت إسرائيل موقعاً قيل إنه للمواد النووية في السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي ـ ويضطر النظام السوري الى التزام الصمت إزاءه وكأنه كان يقرأ في كتاب، وطوى الصفحة الأخيرة منه وليس مضطراً للعودة الى المراجعة».

إن مقتل مغنية كان الدافع الى أسبوع من التصريحات والبيانات النارية تفتقت كلها عبر أصوات لبنانية، طالت إسرائيل كمتهمة رئيسية، ومن ثم، وكأنه لا بد من وجود أطراف عربية لتكتمل نظرية المؤامرة، انطلقت التصريحات عن اكتشاف النظام السوري مؤامرة عربية لقلب نظامه، وجاءت زحمة هذه التهديدات والتصريحات كلها للتغطية على حدث اغتيال مغنية في دمشق، وفي منطقة أمنية حساسة جداً، لأنه لم ينفع قول صحيفة «تشرين» السورية أن مغنية دخل بجواز سفر مزور كمدني، واستأجر شقة كما يفعل أي رجل عادي، من دون إبلاغ السلطات السورية بالأمر. ثم تجمع كل هذا الغضب على أن إسرائيل هي القاتلة، وأن لبنان ساحة التطاحن.

المصدر الغربي ليس متأكداً ممن يقف وراء مقتل مغنية، «يبدو وكأن الفاعل هو إسرائيل لأنها تستفيد من موته، لكني لست متأكداً من ذلك، إنما ما أستطيع أن أؤكده هو أن قتله في دمشق لا يؤثر على استقرار النظام السوري». اللبنانيون من جهتهم، الخائفون من حرب أهلية يُدفعون إليها، ومن حرب مع إسرائيل لم يعودوا قادرين على تحمل نتائجها، لم يفقدوا الشعور بالإيحاء عندما ربط قسم منهم بين «الصدفة» التي أدت الى مقتل عماد مغنية، وقرب الانتهاء من الإعداد للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وتَذكر هؤلاء قصة عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردي الذي تم تسليمه بعد تهديد تركيا بعمل عسكري ضد سوريا. لكن، يمكن القول، إن هذا ليس أكثر من إيحاء لبناني، لأن اللبنانيين خائفون من دفع ثمن تنفيذ السيد نصر الله وعيده بالاقتصاص من إسرائيل انتقاماً لمقتل مغنية. ويقول سياسي لبناني: «إن إسرائيل هددت بقتل زعماء «حزب الله»، ومغنية واحد منهم، وقد تكون حربها الثانية مع لبنان انتهت فصولها باغتيال مغنية. لقد بدأت تلك الحرب لتخفيف الضغط الدولي الذي كانت تتعرض له إيران بسبب برنامجها النووي. وانتهت مع مقتل مغنية بزيادة الإحراج على سوريا المتحالفة مع ايران».

عندما خطف «حزب الله» الجنديين الإسرائيليين وقتل ثمانية آخرين لم يكن يحسب أن إسرائيل تنتظر «مناسبة» للانقضاض على «خط الدفاع الإيراني الاول»، فوقعت الحرب التي دمرت لبنان لكنها لم تدمر «حزب الله».

الآن، صار معروفاً أن هم إسرائيل الأول هو السلاح النووي الذي تعمل إيران للحصول عليه. وكان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش قال العام الماضي، إنه لن يغادر البيت الأبيض تاركاً وراءه إيران نووية.

العارفون في واشنطن يؤكدون أنهم «لا يعرفون ما إذا كان سيغادر تاركاً إيران نووية». ويضيفون: «إن كل شيء يعود الى الرئيس نفسه وقد يأخذ قراراً ما». وأسأل محدثي: «وهل بإمكانه خوض حرب أخرى؟»، ويجيب: «إن الرئيس لم يقرر بعد، لكن قد يقرر بأن عدم ترك إيران تتمتع بالحصول على سلاح نووي أمر مهم جداً، وكل الأمور الأخرى بالتالي غير مهمة».

لن تقع حرب إقليمية شاملة في الأسابيع المقبلة وربما في الأشهر المقبلة، لكن شرارات هذه الحرب موجودة، ومن المستبعد أن يغامر «حزب الله» في إشعال إحداها، طالما انه صار واضحاً أن دوره أكبر من الدفاع عن سلاحه في لبنان، بل هو عدم إشغال إيران في أي حرب تكلفها برنامجها النووي وربما نظامها. إنه دور يشكل عبئاً على لبنان.