كوسوفو و«الدومينو»

TT

«الاستقلال: يا لها من كلمة جميلة. لقد أصبحت كوسوفو دولة مستقلة. وفرنسا ترحب بها في الأسرة الدولية، دون أن تتخلى عن أصدقائها الصرب. نحن جميعا في أوروبا الواحدة والضرورية». هكذا كتب في «الفيغارو» أمس وزير خارجية فرنسا، برنار كوشنير. وقبل فرنسا سارعت أميركا أمس الأول إلى الترحيب بالدولة الجديدة. وفي المقابل اعترضت روسيا وسوف تظل.

العالم منقسم وأوروبا الموحدة منقسمة حول الأمر. وكل فريق له أسبابه. موسكو ـ إضافة إلى حلفها التاريخي مع صربيا ـ تخشى أن تنتقل سابقة كوسوفو إلى الشيشان والأقليات الإسلامية الأخرى ضمن الاتحاد. وإسبانيا تخاف إن هي دعمت الاستقلال أن يعلن الباسك استقلالهم في المقابل. وقبرص تخاف أن يعلن القبارصة الأتراك استقلالهم الذي لا ينقصه سوى بضعة اعترافات دولية.

تريد أميركا أن تظهر، من خلال دعم كوسوفو، أنها لا تخوض حرباً ضد الإسلام. فها هي تدعم مسلمي البلقان في السلم بعدما دعمتهم في الحرب على صربيا. وروسيا التي خسرت حرب البلقان في يوغوسلافيا تريد أن تقنع صربيا ـ والكنيسة الأرثوذكسية الروسية ـ بأنها لن تتخلى عنها في وجه الأكثرية الدولية.

أيام الإمبراطورية العثمانية شاع مصطلح سياسي هو «المسألة الشرقية»، ويُعنى به قضية الأقليات المتداخلة في عالم الأكثريات. وقد انتهت الإمبراطورية وبقيت «المسألة الشرقية» بلا حل. لكن العالم اكتشف بعد نهاية الاتحاد السوفياتي أن المسألة «كونية» وليست شرقية فقط. ومع غياب الرجال «الأقوياء»، تحركت النزاعات الانفصالية في روسيا وإسبانيا بعد (فرانكو) ويوغوسلافيا بعد (تيتو). ونادرة جداً هي الدول التي لا مشكلة أقلية فيها. في بريطانيا يستخدم الاسكتلنديون لغتهم إلى جانب الإنجليزية. كذلك في ويلز. ويستخدم أهل كورسيكا لغتهم إلى جانب الفرنسية.

إننا نشهد أمرين: تغير الخريطة التي قامت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (الوحدة الألمانية، الانهيار السوفياتي، تقسيم يوغوسلافيا، تقسيم تشيكوسلوفاكيا.. إلخ)، كما نشهد قيام دول إسلامية مستقلة في أوروبا الوسطى (البوسنة ـ الهرسك، ألبانيا، كوسوفو)، بالإضافة طبعا إلى الدول الإسلامية التي ظهرت في آسيا الوسطى، أو بالأحرى استعادت استقلالها.

رومانيا أيضاً تخوفت. النزعات الانفصالية عندها (أقلية مجرية وأخرى روسية)، تستيقظ، وقد دعا الرئيس باشسكو إلى «لقاء وطني»، للبحث في الاعتراف بالدولة الجديدة. أما إسبانيا الذاهبة إلى الانتخابات في 9 مارس (آذار)، فقد أعلنت فورا أنها ترفض الاعتراف. الجميع يخاف من نظرية «الدومينو»: من سري لانكا إلى أبخازيا.. إلى الصين التي تعاني من موضوع التيبت.. إلى آخره.