ثلاثتهم عاشوا وماتوا في عذاب !

TT

ثلاثة من الأدباء الكبار يتمزق قلبي حزنا على ما أصابهم: الأستاذ العقاد وأبو حيان التوحيدي وابن حزم الأندلسي..

أما أستاذنا العقاد فلم ينل ما يستحقه من التكريم العظيم، وكان يضاحكنا ويقول: إن مصر بلد عجيب، إذا أرادوا تدعيم الإسلام نشروا كتبي، وإذا أرادوا أن يهاجموا الشيوعية نشروا كتبي، وإذا رشحوا أحدا لجائزة نوبل رشحوا طه حسين!! وعاش العقاد كما مات فقيرا وحيدا، وقد عرف الفقر ومحاولة الانتحار، ومد يده إلى أصدقائه.. فردوها كثيرا، وأعطوه قليلا!

وأبو حيان التوحيدي أديب وفيلسوف وناقد وعالم وكتابه «الإمتاع والمؤانسة» من روائع الأدب الفلسفي أو الفلسفة الأدبية، وقد ضاق أبو حيان بالناس وبالحكام ووقف بأبوابهم ولعنهم، وقد كان خطه جميلا وحظه سيئا، فقد كان يعيش على نسخ الكتب، وقد حاول أحد الوزراء أن ينسخ له مؤلفاته فرفض. وتعيس آخر مثله رفض أن يتلو قصائد الشعراء بأدائه الجميل لأنه شاعر، وهو كامل الشناوي.. وقد طرد أبو حيان من كثير من القصور الأميرية والملكية، وفي آخر أيامه أحرق كتبه يأسا من الكتابة ومن القراء ومن الزمان.. وقد مد يده ولسانه، ولم يفز إلا بالقليل من المال والطعام.. ولا يعرف كيف عاش وكيف مات وأين دفن، وهو نموذج كامل الأوصاف للفيلسوف اللامنتمي!

وكذلك ابن حزم الأندلسي.. الشاعر الرقيق الحزين الذي يدخل السجن ويخرج ليدخل سجنا آخر.. وإذا تكلم فهو سليط اللسان، ولذلك عاش هاربا من وزير وأمير.. وتردد بين المذاهب، وتردد عليها، ولم نعرف له مذهبا أو رأيا.. لم ينقذه الشعر من السياسة ولم ترحمه السياسة فتفرغ للأدب والشعر والعلم.. وبين العقاد وأبو حيان وابن حزم حوالي الألف سنة، وكأنهم جميعا يعيشون في زمن واحد، فنصيبهم جميعا من التكريم قليل، ولذلك لم يكن التفكير في الانتحار بعيدا عنهم.. إن حياتهم وغضبهم وسخطهم ليست بعيدة عن عيني وعن قلمي وقلقي أيضا!