المنطقة بانتظار حرب جديدة إذا أخطأ حزب الله حساباته

TT

إنه «سيناريو» الحرب الجديدة التي ستقع حتما إن لم تحل دون وقوعها معجزة من المعجزات، فالعد العكسي لهذه الحرب، التي لا شك في ان اسرائيل تريدها لإعادة ترتيب وتنظيم ارقام معادلة الشرق الاوسط والإقليم كله، بدأ بمجرد انفجار القنبلة الموقوتة التي فجرت جسد عماد مغنية الذي هو قائد حزب الله اللبناني الفعلي والذي دخل بوابة «العنف الثوري» مبكرا وعمل خطوطاً مخابراتية كثيرة من بينها، بل على رأسها، خط حراس الثورة وفيلق القدس والمخابرات الايرانية والمخابرات السورية والذي كان مطاردا ومطلوبا من قبل أكثر من جهة بالإضافة الى اسرائيل وواشنطن.

هناك اسئلة كثيرة سألها محللون وخبراء إرهاب ومتابعون ومعنيون، بمجرد اغتيال عماد مغنية (الحاج رضوان) بالطريقة التي اغتيل بها في دمشق يوم الثلاثاء قبل الماضي، من بينها : ما الذي جاء بهذا الرجل، الذي يعرف أن رأسه مطلوب وأنه مطارد وملاحق منذ عدة اعوام، الى دمشق ليتم اصطياده بسهولة في عاصمة كانت قبل هذا الاختراق الكبير تعتبر قلعة محصنة لا يمكن اختراقها؟

هل هي مصادفة يا ترى ان يتم اغتيال هذا الرجل السري، في الذكرى الثالثة لاستشهاد رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وبينما باتت الاجراءات الادارية والترتيبات القانونية شبه مكتملة لتبدأ المحكمة الدولية، التي جرى تشكيلها لملاحقة الذين ارتكبوا هذه الجريمة، مهمتها؟!

لا مجال لاتهام أي كان بارتكاب جريمة اغتيال قائد حزب الله «اللغز» غير اسرائيل، فهي المستفيد الاكبر من هذه الجريمة، فقتل عماد مغنية، اذا صحت المعلومات التي تحدثت عن انه كان يخطط بالاشتراك مع المخابرات السورية لرد مدوٍ على الغارة الجوية الاسرائيلية على ما قيل انه مفاعل نووي سوري في منطقة الجزيرة، يقطع الطريق على عملية ربما ان الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) كانت تعرف انها ستكون مؤلمة وستكون استكمالا لما اعتبره حزب الله انتصارا إلهيا حققه في حرب يوليو 2006، هذا بالإضافة الى ان الوصول الى رجل على كل هذا المستوى من الاهمية يعني مساً بهيبة هذا الحزب ويعني تسجيل تفوق كاسح على المخابرات الايرانية ومخابرات سوريا وأجهزتها الامنية في الوقت ذاته.

لا شك في أن هناك أكثر من حالة لجأ فيها جهاز الى التخلص من أحد عملائه بعد استنزافه او الشك بولائه او عدم السيطرة عليه، لكن بالنسبة الى مغنية فإن الأمر مختلف جدا إذ انه يعمل عميلا مزدوجا للسوريين وللإيرانيين بعلم ورضا اجهزة المخابرات السورية وأجهزة المخابرات الايرانية، ثم ان تحالف حزب الله، الذي هو قائده الفعلي والحقيقي، مع سوريا ومع ايران يستند الى التزام عقائدي ـ مذهبي صارم يملك قرار الحسم فيه المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي الذي هو الولي الفقيه الذي طاعته واجبة كأمر إلهي والذي لا تستطيع القيادات الفعلية في العاصمتين المتحالفتين طهران ودمشق الخروج على ارادته.

إن المسؤول عن اغتيال مغنية هو اسرائيل وربما بالتعاون مع جهات اخرى مستفيدة من التخلص من هذا الرجل الذي على يديه دماء جهات كثيرة، واستخدام اختراقات حتى في المخابرات السورية والإيرانية وفي حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية، المتمركزة في دمشق وتحسب نفسها على التحالف السوري الايراني، لذلك فان اتهام السيد حسن نصر الله للاسرائيليين لم يكن اعتباطا، ولعل ما يؤكد هذا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت بادر بعد اقل من اسبوع من هذا الانجاز الذي حققته المخابرات الاسرائيلية الى التمديد لرئيسها مائير داغان حتى نهاية عام 2009 تقديرا له لإعادته الهيبة الى جهاز (الموساد) الذي لعب دورا رئيسيا في الصراع في هذه المنطقة.

وبعيدا عن كل هذه التقديرات وهذه التكهنات فإن السؤال المحوري هو: هل ان حسن نصر الله يا ترى سينفذ تهديداته وسيشن حربا مفتوحة على اسرائيل على مدى العالم كله.. فكيف سترد اسرائيل وماذا سيكون موقف ايران وموقف سوريا؟!

المعروف ان حسن نصر الله كان قد وعد بإجبار اسرائيل على إطلاق سراح الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيلية وقد سمى وعده هذا «الوعد الصادق» وهو من اجل الوفاء بهذا الوعد قام بعملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين وقتل آخرين حيث كانت حرب يوليو 2006 التي ألحقت بلبنان دمارا هائلا، وهكذا فإن «الوعد الصادق» لم يتحقق بل ان اسرى جددا قد اضيفوا الى هؤلاء الاسرى وان تعقيدات جديدة قد اضيفت الى التعقيدات السابقة.

لا يستطيع حسن نصر الله إلا ان ينفذ ما هدد به ويعلن الحرب المفتوحة على اسرائيل، فهو اصبح في وضع لا يحسد عليه ومصداقيته غدت على المحك .. والسؤال هنا: أين سيرد حزب الله على اغتيال اهم قادته على الاطلاق؟!

اذا اقتصر الرد على مجرد القيام بقصف صاروخي من مناطق الجنوب على شمال اسرائيل او باستهداف احدى «الكنس» اليهودية في أي مكان في هذا العالم فان هذا مع انه قد يكون المبرر الذي ينتظره الاسرائيليون لشن حرب جديدة على لبنان قد تطال سوريا هذه المرة وربما تتعدى ذلك لاستهداف احد المواقع الاستراتيجية الايرانية، فانه سيعتبر موضع شماتة من قبل الذين ينتظرون ان يقع حسن نصر الله في أي هفوة ليكيلوا له الصاع صاعين وليضاعفوا الضغط على اطراف اصابعه بالنسبة للمواجهة السياسية الداخلية المحتدمة منذ اغتيال الحريري في عام 2005 والتي تزداد احتداما يوما بعد يوم.

إنه أمر مؤكد ان سوريا لن تقحم نفسها، وهي تعيش هذه الاوضاع الحساسة والمقلقة التي تعيشها، في عملية الثأر لاغتيال عماد مغنية، مع ان هذا الاغتيال وقع في دمشق وفي واحدة من أهم المناطق الامنية السورية، فهي معروفة بأن حساباتها دقيقة وأنها لا تستفز بسهولة وأنها معروفة بتفادي وضع نفسها في مواجهة التيار. أما بالنسبة الى ايران فإنها ستضع كل امكانياتها المالية والاستخبارية الى جانب امكانيات حزب الله ليأتي الرد مدويا وليكون انتصارا إلهيا جديدا، وهذا معناه ان هناك حربا جديدة باتت تقف على الابواب وأنها إنْ اندلعت بالفعل فستكون اكثر كلفة من الحرب السابقة.

منذ ما بعد حرب عام 2006 والجنرالات الاسرائيليون يقضون اوقاتا طويلة في غرف العمليات، ثم ولأن الصراع بين مراكز النفوذ في اسرائيل على أشده، حتى بين ابناء الحزب الواحد، فإن ما هو أكثر من مؤكد انه اذا قام حزب الله بخطوة غير محسوبة العواقب كأن يقوم على سبيل المثال بمحاولة اغتيال أحد المسؤولين الاسرائيليين إنْ في الخارج أو داخل الدولة الاسرائيلية نفسها فإن الرد الاسرائيلي سيكون عنيفا، وهذا يستدعي ان تكون سوريا حذرة وان تحسب ايران (البعيدة) جغرافيا حساباتها بدقة وان يهيئ حزب الله نفسه لحرب اكثر عنفا وبطشا من الحرب السابقة.

لقد استخدمت اسرائيل هدفا تافها هو محاولة الاغتيال التي قام بها تنظيم صبري البنا (ابو نضال) حركة فتح ـ المجلس الثوري، لسفيرها في لندن في ذلك الحين، ارغوف، للقيام بغزوها الشهير للبنان في يونيو 1982 والآن فمن الواضح انها بانتظار أي مبرر للقيام بحرب جديدة وهنا فانه ليس بعيدا ولا مستبعدا ان «الموساد» الاسرائيلي نفذ عملية اغتيال عماد مغنية وفي قلب دمشق بهدف استدراج مبرر مقنع للشعب الاسرائيلي وللرأي العام العالمي لشن حرب جديدة قد تطال سوريا هذه المرة، وهي ستطال ايران حتما إن هي وضعت نفسها الى جانب حزب الله.