سامراء.. ليكن يوم قبتها سلاماً!

TT

غدا تمر ثلاث سنوات (22 شباط 2006) على «الفتنة الكبرى»، ألا هي تفجير قبة مرقد العسكريين بسامراء، وما أسفرت من أهوال. كاد الفعَلة، بتوجيه تلك الضربة، ينجحون في قود المجتمع العراقي إلى المواجهة الشاملة، سل السيوف بين عشائر، وأحزاب، وحتى أطفال! غير أن يوم التفجير شهد مسيرات المتضررين، روحياً ومادياً، فالمرقد يقف وسطاً بين الطائفتين، السُنّة والشيعة، مع ما فرض هدمه، بغياب الدولة، من شرعية لميلشيات قست، كل القسوة، بالقتل والذبح على الأسماء والانحدار البلداني! كانت «فتنة كبرى» تلك التي نقتبس تسميتها من كتاب لطه حسين، وهو يبحث في واحدة من أمثالها!

ولو دققت بمجريات الحوادث، وخطابات تجار الموت لوليت هرباً، من بشاعة استغلال المقدسات، ومحاولات إحياء نكبات الماضي الغابر عبر الأضرحة والقبور، ومحاولات الإجهاز على بقية عقل وثقافة، وتحويل المعركة إلى الشعائر. فما حصل من تداعيات تفجير المرقد ألغى أدنى ثقة بالأحزاب والجماعات، التي جعلت مصير حياة وأمن خمسة وعشرين مليون عراقي رهناً لهتافها وسوقها إلى الموت باسم المقدس.

بغمضة عين تخلت سامراء المدينة عن منزلتها، وهي المحطة الوسطى بين أقصى الشمال وأقصى الجنوب، من جهة النهر وجهة البر، وكأن توسطها هذا جعل منها توسطاً بين مذاهب وقوميات العراق كافة. تجد السامرائي: شيعي العاطفة، علوي النسب، سُنّي شافعيّ ـ حنفيّ الفقه. وكم هي الأسماء التي ملأت ذاكرة مدن العراق من السامرائيين. وحتى حزب البعث، الذي أوغلت قيادته كثيراً في الظلم وخراب البلاد، كان يمكن أن يتخذ نهجاً آخر لو تُركت قيادته للسامرائي عبد الخالق إبراهيم (أُعدم 1979)، يجنب البلاد الكوارث والأزمات. إلا أن من أعجب العجب أن تجد، في زمن العتمة، سامرائيين انتحاريين، وحاضنين لقطعان الإرهاب؟!

وكم تأخذك المفارقة بعيداً وأنت ترقب أحوال سامراء، وموتها اليومي وتسوية قبتها بالأرض، وما تجوبها من مخلوقات لا يشم منها غير رائحة الموت والتكفير، بينما ترى، من على ملويتها، أطلال قصور أسمائها تبعث على الإنسانية والحياة: العاشق والمعشوق! وتذكرتَ المتكلمين وجدلهم حول الجزء والحركة، ومن أكابر شخوصهم: أبي الهذيل العلاف (نحو 230هـ) وإبراهيم النظام (نحو 231هـ) وسواهما. وما ذكر النسابون والبلدانيون من أسماء تفارق بعضها بعضاً، حسب الموقف منها: «سَّر مَنْ رأى»، و«ساءَ مَنْ رأى»! ومن أسمائها الأقدم: «شامريا» أي: «الله يحرس»، و«سرمارتا»، وفي السريانية «سومرا»، وهو أقرب لفظاً من سامراء (أُصول أسماء الأمكنة العراقية).

يعفيني القارئ أن أثقله بمقال رابع حول سامراء، على صفحات «الشرق الأوسط»، بعد: «ملوية سامراء بلا رأس»، عندما قُطف رأسها في نهاية مارس 2005. و«قبة سامراء.. كي لا تصبح مسجد بابري آخر»، عندما أقعدوا قبتها العسكرية على الأرض ثم منارتيها من بعد. و«سامراء.. سدانة قبتها وعمرانها من حق أهلها». ومَنْ لا يحب سامراء؟! وكانت مُنية لنزهة وزيارة. ومَنْ لا يحزن وهو يرى الإرهاب والفساد عطلا الحياة فيها، وأفسدا مصنع أدويتها؟!

فجر هدم المرقد العسكري المعارك الطاحنة، وخلق ميليشيات إثر أخرى، اُتخذ ذريعةً للتهجير والقتل الطائفيين، حتى أسفر، على مضض، عن احتماء المذعورين بها. وما أن تصطاد ميليشيا أربعة أو خمسة من الشيعة إلا وتأتي ميليشا أخرى لتصطاد العدد نفسه من أهل السُنَّة، فالدولة غائبة! والفساد يحتاج إلى أغطية، وليس أفضل من معارك الطوائف وحرب المراقد أغطيةً وسواتر لكبائر الذنوب: تهريب نفط، أو سرقة أموال الكهرباء، والأدوية. وإذا كان تفجير المرقد إطلاقة للعنف، ووصوله إلى الذروة أخذت الأحزاب الدينية تربط أحوال البلاد السياسية والاقتصادية بإعادة إعماره، والتهديد باجتياح سامراء بزيارة (مليونية)!

متاهة حقيقية أن يفكر السياسيون، من أعمدة السلطة، بهذه الطريقة: الهدم كارثة والبناء أشد كارثية! حتى جعل كيان سياسي إعادة المرقد وتأمين الزيارة شرط عودته إلى البرلمان، وكيان آخر يضع أربعة شروط على السلطة كلها تتعلق بالمرقد، وأن مسؤولاً كبيراً، أراه لا يمتلك الوسطية في حياته وتقلباته الحزبية والعقائدية المتعددة من أقصى إلى أقصى، يخرج من طوره، وينتقد الحكومة ويحذرها، وهو في رأس الدولة، من تأخير إعمار المرقد؟!

خلاصة القول: العراق بالكامل لن يخرج من متاهته إذا ظلت الكيانات السياسية تدير رؤوس العوام بالشعار والهتاف وبغرف الربح من التجارة بالمقدسات، ولم تلتفت لبلد يجثم على صدره مفسدون ونهابون وقتلة! أما إعمار المرقد فواجب، مقدور عليه، لكن بهدوء وتضامن..! وعندها الطريق إلى سامراء لن يحتاج إلى حكومة ومليشيات حارسة! والدعاء أن يكون يوم قبتها سلاماً.

[email protected]