استقلال كوسوفو.. فرصة ذهبية للقيادة الفلسطينية

TT

كما كان متوقعا، أصدرت كوسوفو إعلانا للاستقلال من جانبها، وسارعت الولايات المتحدة وغالبية دول الاتحاد الاوروبي، التي جرى معها تنسيق استقلال كوسوفو، للاعتراف الدبلوماسي بهذا «البلد الجديد»، وهذه خطوة تعتبر تهورا من جانب أي طرف يلتزم بالقانون الدولي او يتحلى بالتفكير السليم والمنطقي.

استعجال الجانبين الاميركي والأوروبي على قطع جزء من دولة عضو في الامم المتحدة، فقط بسبب تأييد حوالي 90 بالمائة من سكان هذا الجزء للاستقلال، يتعارض بصورة واضحة مع صبر وتأني واشنطن والاتحاد الاوروبي عندما يتم الحديث عن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى ما يزيد على 40 عاما.

يرى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي انه يجب الاعتراف بإعلان كوسوفو للاستقلال حتى اذا لم توافق صربيا. إلا ان موقفهما اختلف تماما عندما أعلنت فلسطين استقلالها من الاحتلال الاسرائيلي في 15 نوفمبر 1988. كلاهما كان غائبا عندما اعترف اكثر من 100 بلد بدولة فلسطين الجديدة، وعدم اعترافهما جعل إعلان الاستقلال «رمزيا» في نظرها، وللأسف في نظر غالبية الفلسطينيين وغيرهم.

وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي فإن أي استقلال فلسطيني، لكي يتم الاعتراف به ويصبح فعالا، يجب ان يتم عبر المفاوضات المباشرة، طبقا لقاعدة ثنائية غير متوازنة بين قوة الاحتلال والشعب المحتل، ويجب قبول قوة الاحتلال له. وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي فإن حقوق ورغبات شعب محتل عانى طويلا وعومل بوحشية والقانون الدولي أمر غير مهم. وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، فليس من المتوقع انتظار البان كوسوفو، بعدما استمتعوا بإدارة الامم المتحدة وحماية الناتو لمدة 9 سنوات تقريبا، لوقت آخر للحصول على حريتهم، بينما يمكن للفلسطينيين الذين عانوا 40 سنة من الاحتلال، الانتظار للأبد.

ومع عدم تقدم «مبادرة انابوليس»، بالإضافة الى النوايا الاميركية والإسرائيلية منذ البداية، فإن سابقة كوسوفو تقدم للقيادة الفلسطينية في رام الله فرصة ذهبية للالتزام بالمبادرة، وإعادة ترتيب الاجندة واستعادة السمعة الملطخة في عيون شعبها.

وإذا كانت هذه القيادة على قناعة حقيقية، بالرغم من كل الادلة على العكس، فإن حل «الدولتين» لا يزال ممكنا، والفرصة مثالية الان لتأكيد الوجود القانوني (تحت استمرار الاحتلال) لدولة فلسطين، بوضوح في 22 في المائة من فلسطين تحت الانتداب التي لم تغزها ولم تحتلها اسرائيل الا في عام 1967، ودعوة كل تلك البلاد التي لم تقم علاقات دبلوماسية مع دولة فلسطين عام 1988 ـ ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ـ لذلك.

ووعدت زعامة البان كوسوفو بحماية الاقلية الصربية في كوسوفو التي يتوقع الآن أن تفر برعب. ويمكن للزعامة الفلسطينية أن تضمن فترة زمنية كافية للمستوطنين الاسرائيليين الذين يعيشون بصورة غير شرعية في دولة فلسطين وقوات الاحتلال الاسرائيلي بالانسحاب. ومن الطبيعي انه لمنع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من التعامل مع هذه المبادرة كنكتة لا بد أن تكون هناك نتيجة مهمة وواضحة اذا ما كان لهم أن يفعلوا ذلك. وستكون النتيجة إنهاء وهم «الدولتين» ويمكن أن توضح الزعامة الفلسطينية انه اذا لم تعترف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان اعترفا للتو بدولة ألبانيا ثانية على أراضي دولة ذات سيادة لدولة عضو في الأمم المتحدة، بدولة فلسطينية واحدة على جزء صغير من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنها ستفكك «السلطة الفلسطينية» (التي كان عليها أن تتوقف قانونيا عن الوجود في عام 1999 في نهاية الفترة الانتقالية التي دامت خمس سنوات بموجب اتفاقيات أوسلو) وبالتالي فان الشعب الفلسطيني سيسعى الى العدالة والحرية عبر الديمقراطية، من خلال السعي الدؤوب غير العنفي الى حقوق المواطنة الكاملة في دولة واحدة في كل من اسرائيل / فلسطين، متحررة من أي تمييز بسبب العرق أو الدين وبحقوق متساوية لكل من يعيش هناك كما هو الحال في أي نظام ديمقراطي.

وتسامحت الزعامات الفلسطينية مع العنصرية والنفاق الغربي ولعبت دور المغفلين لفترة طويلة جدا. وقد آن الأوان لرفض الوضع الحالي بصورة بناءة وإحداث صدمة لدى «المجتمع الدولي» عبر الاشارة الى أن الشعب الفلسطيني لم يعد قادرا على التسامح مع الانتهاكات والظلم الذي لا يمكن تحمله. إن لم يكن الآن فمتى ؟

* جون ويتبيك محام أميركي متخصص بالقانون الدولي

يكتب لـ«الشرق الأوسط»