باي باي كاسترو

TT

أعترف وبكل فخر بأنني لا أفهم أبدا أفلام يوسف شاهين، ولا قصائد الشاعر أدونيس ولا أي كلمة من خطب مؤتمرات حزب البعث، وكل ذلك يطلق عليه بشكل أو بآخر «ثقافة»، ولكن الثقافة لا يمكن أن تكون شيئا غير مفيد وغير صادق، وبنفس المنطق يمكن وصف ما حدث خلال أكثر من ثلاثة عقود في دولة مثل كوبا.

كوبا عزلت نفسها عن العالم وتعاملت «كجزيرة» اختارت العزلة التامة وتبني خط ثوري وعبثي بقيادة فيدل كاسترو. فيدل كاسترو صاحب الزي العسكري المميز واللحية «غير الدينية» الكثيفة. فيدل كاسترو جاء إلى الحكم في كوبا بعد قيامه بتمرد عسكري في الجزيرة، شاركه فيه البطل الأسطوري الأرجنتيني تشي غيفارا، وجاء كاسترو ليحرر البلاد، بحسب قوله، من الفساد والتسلط، لكنه أقام نظاما مخابراتيا سلب البلاد من حرياتها وسلب الاقتصاد من أمانه، وهو نموذج لبعض الدول العربية في الستينات.

كوبا تحولت من بلد واعد إلى سجن مغلق كبير لا يسمع عنه إلا من يدخن السيجار الكوبي الأشهر أو يستمتع بالسكر المنتج من قصبها. حتى كوبا نفسها لم تنج من «التوريث الثوري»، وها هو فيدل كاسترو يستقيل من كافة مناصبه التنفيذية بعدما أصابه المرض والوهن وأعراض الشيخوخة ويقوم بالتنازل عن ذلك لمصلحة شقيقه راؤول.

فيدل كاسترو تحول الى «رمز» للتصدي للإمبريالية وأيقونة للثوار والاشتراكية، وكان ملاذا لكل من هوى أن يعارض فيحظى بصورة مع الثوري الأقدم في العالم، فذهب إليه الكاتب والأديب الكولومبي الأسطوري ماركيز وكذلك توجه للقائه نجم كرة القدم العالمي الفذ دييغو مارادونا، والرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز والمخرج الأمريكي المشهور أوليفر ستون. ولكن اشتراكية كاسترو الذي كان يعجب به زواره، عانى منها مر المعاناة أبناء بلاده، فبات الفقر والتخلف وتدهور البنية التحتية للبلاد هو السمة المميزة لهذه الجزيرة الساحرة، التي توقفت فيها عقارب الساعة عند الخمسينات من القرن الماضي.

كوبا شهدت سقطة الاستخبارات الأمريكية الشهيرة في إخفاقها بعملية «خليج الخنازير»، التي حاولت زعزعة النظام الجديد هناك وكذلك ارتبط اسم فيدل كاسترو بحادثة اغتيال الرئيس الأمريكي المغدور جون كنيدي، وذلك في ربط مباشر للأزمة الكبرى التي شهدها العالم بسبب وضع صواريخ سوفيتية في كوبا موجهة للولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك اقرب مواجهة نووية متوقعة بين القطبين الأكبر وقتها.

فيدل كاسترو يستطيع أن يرتاح اليوم بعد أن كرس حكما ثوريا تقليديا سلب حريات الناس فيه، وألغى الأديان بدواعي العلمانية و«سرق» أرزاق العصاميين مؤمما حقوقهم، وركز على التعليم وبعض مجالات الطب والرياضة.

فيدل كاسترو كان ديكتاتورا مستبدا بامتياز، كان يتلذذ في أن يخطب في شعبه في كل مناسبة ممكنة، لمدة تزيد على تسع ساعات كل مرة! خطبا غير مفهومة وكلاما مبهما مليئا «بالثورة» والشعارات، وحال الشارع والواقع يقول عكس ذلك تماما. وقد يكون آن الأوان لهذه الجزيرة الواعدة أن تستيقظ من كابوس طويل ومؤلم.

[email protected]