كاريكاتور

TT

بدأ الكاريكاتور الصحافي في مصر أوائل القرن الماضي على أيدي ثلاثة رسامين غير عرب: الإسباني سانش، والتركي رفقي، والأرمني صاروخان، واستمر صاروخان حتى أصبح أشهرهم وأرفعهم دخلا (15 جنيهاً شهرياً في «روز اليوسف» مقابل 12 جنيهاً للمحررين الكبار). ولكن صاروخان كان يعاني من مأساة شخصية هي الحنين إلى أرمينيا. وكلما عاد أرمني إلى «يريفان» طلب منه أن يكتب إليه ويخبره بأحوال الحياة في ظل ستالين.

ومع أن الرحابنة لم يعرفوا صاروخان فقد رسموا شخصيته في أغنية «حنا السكران». والواقع ان حنا السكران كان فقيرا أرمنياً يجلس في ساحة بلدة أنطلياس كل يوم ويروح يبكي ويغني «خذوني إلى يريفان». في أي حال، كانت الرسائل الى صاروخان متضاربة عن الوضع في البلد الأم. وأخيراً ساوره شك بأن العائدين لا يجرأون على كتابة الحقيقة خوفاً من الرقابة الستالينية. فاتفق مع صديق ثقة ان يسبقه إلى أرمينيا ويجرب. فإذا كانت الحياة جميلة كتب له رسالة بالحبر الأحمر وإذا كانت سيئة كتب الرسالة بالحبر الأسود.

ويروي مصطفى أمين أن الصديق سافر فعلا. وبعد شهور تلقى رسالة منه يقول فيها ان الأرمن سعداء في الاتحاد السوفياتي أيما سعادة وان جميع الذين عادوا يشعرون بالندم لأنهم لم يأتوا إلى هذه الجنة من قبل. ها هم يعيشون في نعيم مقيم. وفي ختام الرسالة وضع الصديق حاشية جاء فيها ما يلي: «نأسف للكتابة بالحبر الأسود فقد نفد الحبر الأحمر لدينا».

حزن صاروخان وفرح مصطفى أمين. فقد كان يحرص على أن تبقى ريشته في مصر. ولم يكن صاروخان شيئا آخر. لم يكن يجيد العربية ولا يتابع السياسة كما يجب لكنه كان يرسم ويتولى محمد التابعي أو مصطفى أمين كتابة التعليق. وكافح صاروخان في البداية لكي يعثر على صحيفة أو مجلة تقبل به. وتروي روز اليوسف في مذكراتها أنها بحثت عبثاً عن رسام كاريكاتور: «وتذكرت أخيراً ذلك الرجل الأرمني القصير الذي كان يصعد خمساً وتسعين درجة ليصل إلى مقر المجلة القديم، وقد حمل نكتة قام برسمها. وكنا ننظر إلى النكتة فنجدها قديمة أو لا تعجبنا فيعود هابطاً السلم الطويل. وأرسلت في استدعاء صاروخان!».

عثر سعيد فريحة على «توأم» صاروخان في الرسام اللبناني خليل الأشقر. فقد كان خليل ريشة جميلة وفقط. وكان على سعيد فريحة أن يعثر على الأفكار وعلى النكات. وكان صاروخان يحب أرمينيا أما خليل الربعي القامة والعريض المنكبين فكان حنينه الوحيد إلى الخروف المحشي والدجاج المحشي وما حشي معهما. وكان سعيد فريحة كلما تمرد خليل أو هدد بالاستقالة أعد له «قوزة» تملأ رائحتها الدار حتى المدخل، فينهار خليل ويعود وما أحلى الرجوع إليه.