خرافاتنا وخرافاتهم

TT

قبل بضعة أيام نشرت إحدى الصحف خبرا عن تزويج طفلة هندية على كلب في حفل عرس ارتدى فيه الكلب ابن الكلب نظارة شمسية، كما زينت طلعته البهية بمجموعة من الألوان الزاهية، وأقيمت مراسم الزواج بحضور أعداد كبيرة من أفراد أسرتي العروسين، والسبب أن لدى العروس سنا مغروسة في لثتها العليا، وهو أمر تعتبره الأسرة نذير شؤم لا يبطل مفعوله إلا بمثل هذا الزواج الشكلي على الكلب..

ذكرني ذلك الخبر بذلك اليوم البعيد الذي نعق فيه البوم على بوابة حينا القديم، فارتبكت جارتنا العجوز، وتوارت تتمتم بكلمات غير مفهومة، فالبوم في قناعاتها الموروثة نذير شؤم وخراب.. وحينما رزق أبو البنات السبع بمولود ذكر خاف عليه من الحسد فأطلق عليه اسما وضيعا لكي يخزي به العين، وكانت قابلة المدينة تحرص على أن تسلم الوالدة حبل ابنها الصري لكي تجفف قطعة منه وتضعها في وسادة رضيعها لطرد الأشباح الشريرة، كما كان الأطفال المعتلون يباعون شكليا بمبلغ رمزي كريال أو نصف ريال للتحقير، وبالتالي درء الحسد.. هكذا كان لنا في مدينة جدة في الماضي البعيد خرافاتنا التي انحسرت أمام الوعي، فانقرضت الأسماء الوضيعة، ولم نعد نبالي بأصوات كتائب الغربان التي تجوب صباحات المدينة..

والخرافة ـ كما سبق أن أشرت ـ ليست حكرا على العالم الثالث كما نظن، ففي كتاب «معجم الخرافات» للكاتب «بيار كانافاجيو»، الذي ترجمه إلى العربية أحمد الطبال، يوشك أن يلحظ القارئ ما يمكن تسميته بوحدة الخرافة الإنسانية، ففي فرنسا هناك من يتشاءم من صوت البوم ورؤية الغراب، وفي جنوب إيطاليا يعلقون في رقاب المواليد قطعا مجففة من حبلهم الصري، وفي أماكن من أوربا يشربون الحليب في يوم محدد من السنة، كما كان يفعل البعض منا في أول يوم من أيام العام، ويرشون الملح في أول ظهور للمواليد، وهو نفس الأمر الذي كان متبعا في حفلات التسمية..

والخرافة قديمة قدم الإنسان، تسود أو تتلاشى بمقدار حظوظ الناس من الوعي، وهي في الغالب محاولة ساذجة لتفسير بعض الظواهر التي أحاطت بالإنسان البدائي .. ففي غياب منظومة الثقافة الدينية والعلمية اضطر الإنسان الأول أن يوغل في مجاهل اللامعقول لتفسير ما عجز عن إدراكه، فنشأت منظومة من الخرافات لم يزل بعضها عالقا حتى اليوم في الموروث الإنساني، ويتساوى في ذلك الشرق والغرب، فكلهم في الخرافة سواء.

[email protected]