من بيروت

TT

تلقيت من بيروت، الرسالة التالية:

«عزيزي»

«لقد بلغنا الثلج هنا أمس، وكان ناصعاً، أعاد الينا صورا من الطفولة. وحدثت هزة في الأرض قبل أيام، وكانت خفيفة وضررها قليلا. لكن المدينة ترتعد كلما حل المساء. ثمة أشباح ووحوش تخرج في الليل كأنها على موعد مع الساحرات والشؤم. وعندما يحين موعد نشرة الأخبار في الثامنة ترتج الجدران وتمور السقوف. نشعر جميعا وكأن غابة السادية قد أطلقت كل من فيها على رؤوسنا وأفئدتنا وعقولنا. غريبة الموجة السادية في المدينة: العقلاء صامتون على نحو مذل ومريب. والأوادم يغلقون دونهم الأبواب والنوافذ في مذلة معلنة. والفالتون طافقون بسادية مريعة يروعون الكبار بمصيرهم ويهددون الصغار بمستقبلهم ويرشقون الناس بالشتم والسب والحجارة والرصاص.

«ليس هذا ما يخيفنا هذا يقززنا. ما يرعبنا حقاً هو هذا الصمت. العالم كله يتحدث الا نحن. العرب خائفون علينا (ومنا) ونحن نتظاهر بأننا صابرون. لا يتكلم أحد سوى الساديين. وهؤلاء يتحدثون عن احتمالات الحرب والفرقة والموت والزوال، كأنهم يتحدثون عن الوجبة المقبلة. والناس هؤلاء العجزة الصامتون، يصغون كأنما الأبالسة تتحدث عن بلد آخر. عن وطن آخر.

«إنهم يعودوننا على فكرة الزوال بعد مقدمة الانهيار. لقد أصبح كل شيء هنا عاديا ومتوقعا. لم نعد نتحدث كثيرا عن الشهيد الأخير لأننا مأخوذون في التحزر عن الشهيد التالي. تذكر طبعا المذيعة التي غضبت لأنها اخطأت في الحساب: قتل وليد عيدو فيما كانت تعد النشرة باسم قتيل آخر. ما افظع نشرة المساء. يجب أن تقدم للناس كل يوم اسما جديدا لكي تكون مثيرة حقا، تعود اللبنانيون أن يذهبوا الى النوم وقد سقط من بلدهم جزء جديد.

«حقد وكره وعنف ظاهر وعنف متربص وعنف متأهب. وسادية يومية معلنة. وعلى نشرة أخبار الثامنة، كل مساء دون خلل، يطلقون دفعة واحدة: واحد يرمي رشة الرعب. الثاني يرمي رشة اليأس. الثالث هو المركيز دو ساد، بقوامه، وتعابيره، وتلمظه. الرابع يستعير من خزانته الشخصية جزمة أو نعلا ويعرضه على المواطنين الأعزاء: يا شعب لبنان العظيم، أيها الراقدون فوق التراب. أيها الراقدون قريبا تحته».

«وفي الختام يطل المحلل السياسي: يزن المعطيات في هدوء واتزان، ثم يبدأ بارسال التطمينات والتحيات: لا. الحرب الأهلية متأخرة قليلا. قبل ذلك حرب على الحدود. واحتمال اجتياح آخر. ولا يهمكم هم: لقد أعددنا لجنة خاصة لاحصاء الخسائر».

أخوك