بدأنا وانتهينا مفكرين أحرارا!

TT

ونحن طلبة صغار في المدرسة الثانوية كنا أربعة أصدقاء: واحد يوناني وواحد ألماني واثنان مصريان. كنا نقرأ. ونلخص ما نقرؤه كل يوم. وكانت دائرة مغلقة علينا نحن الأربعة. وكانت لنا أحلام عربية ولا أعرف من أين أتينا.. وكنا نحن الأربعة نحلم بأن نكون من طلبة الأزهر. ولكل واحد منا رواق ـ من أين جاءت هذه المعاني التي اتفقنا عليها، ولم نناقشها ثم اعترض آباؤنا.

ولا أعرف من أين ولا كيف اخترنا لأنفسنا اسم (جمعية المفكرين الأحرار)، مع أننا لا مفكرون ولا نفهم معنى أن يكون الإنسان مفكراً أو مفكراً حراً. وذهبنا إلى الجامعة، كل واحد في كلية وفي طريق وفي حياة وتفرقنا!

وفي الجامعة دخلت قسم الفلسفة بكلية الآداب. وكنت مستغرقاً في الدراسة تماماً. وكنت أتردد على الأديرة أدرس الفلسفة المسيحية. وعرفت الأب قنواتي وكان رقيقاً شفافا جذاباً في الفلسفة اليونانية والمسيحية. وعرفنا أن هناك جمعية (إخوان الصفا).. وهي الجمعية القديمة التي كانت تضم عدداً من المفكرين من امثال الزنجاني والهر جوري والمقدسي وغيرهم.

وكانت تضم من المصريين د. محمود الخضري ود. عبد الرحمن بدوي، وسرعان ما انفصل د. بدوي فهو لا يطيق أن ينضم لجمعية ثم إنه صاحب مدرسة الفلسفة الوجودية. وكنت تلميذه وداعية لهذه الفلسفة وأول من أصدر كتاباً عن الوجودية سنة 1950.

وحاول بعض زملاء الدراسة الفلسفية أن تكون لنا جمعية وأن تكون (جماعة الوجوديين) واعترضت على كلمة جماعة وجمعية واتحاد وشلة. فنحن وجوديون. وكل واحد له جانب من هذه الفلسفة. فهناك وجوديون مسلمون ومسيحيون. ولم نتفق. وتفرقنا وتباعدنا واختلفنا وأكثرنا دخل السجون فقد صاروا شيوعيين أعداء الفلسفة الوجودية.

وعندما أتطلع إلى بقايانا أجد أحدنا قد لزم المسجد والآخر قد لزم الدير وثالثنا يدخل السجن شيوعياً ليخرج منه أكثر تشبعاً.. وانا حائر بينهم جميعاً. فقد صرنا مفكرين أحراراً دون أن تكون لنا جمعية!