إلى السادة الكبار في لبنان

TT

نحن ابناء الاكثرية الصامتة، نحن الذين نتمسك بلبنان الحرية والسيادة ليظل بلد الرسالة والنور، ندعو الجميع في الموالاة والمعارضة، ما دام مصيرنا ومستقبل اولادنا رهينة بين ايديهم، الى ان يتّقوا الله، والى ان يتنازلوا جميعا عن المطالب التي تبقي الفراغ مسيطرا على مؤسساتنا الوطنية. ان لغة التخاطب المحموم اصبحت في دائرة الحرب المكشوفة، الحرب التي ما زالت ضمن نطاق التحديات والتهديدات الكلامية، والتراشق بالتهم التي تدور حول العمال والتبعية والخيانة احيانا، والتي تترجم احتقانا في الشارع نخشى ان يغدو تقاتلا حقيقيا يتعدى إمكانات امراء السياسة الحاليين، فلا يعودون قادرين على ضبط الامور مهما بذلوا من جهد، »مش كل مرّا بتسلم الجرّا». نحن، ابناء الاكثرية الصامتة، لا نريد العودة الى سنة 1958 ولا الى سنة 1975. وفي تصريحات اقطاب الفريقين المتناحرين اليوم على الساحة اللبنانية انهم هم كذلك يرفضون الحرب الاهلية بكل وقاحتها ووجوهها البغيضة البشعة، فعليهم اذن ان يذهبوا الى حوار جدي مخلص، ينهي الازمة التي ما زالت منذ اشهر تكشر عن انيابها وتتهدد لبنان وتهز كيانه.

اجل ايها السادة الكبار يا اصحاب الحل والربط في هذا البلد الذي تسيرون به الى المجهول، وانتم تدرون ماذا تفعلون، اذهبوا الى الحوار على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» التي اطلقها، في ايام عزه المغفور له الرئيس صائب سلام. في تلك الايام البعيدة طبقت هذه القاعدة، وتجمّع اللبنانيون، كل اللبنانيين، حول وطنهم وتشابكت ايديهم وساروا بلبنان الى برّ الامان.

اقرأوا تاريخ لبنان، القديم منه والحديث، يتأكد لكم بما لا يقبل الشك ان اللبناني يرفض الذل ولا يرضى بالهزيمة. فالحل اذن ان نسير على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، ونترك للبنان ان ينتصر على اهوائنا الشخصية، وعلى ميول قد تجرنا الى خارج حدود الوطن، وعلى انقيادنا احيانا الى مشاعر طائفية او عشائرية تختلط بمشاعرنا الوطنية وتكون في الغالب سببا للشقاق والتناحر.

وإنني لأسأل اولئك الذين يهددون اليوم بالحرب الاهلية، الى اي فريق انتموا، اسألهم قائلا: بين من ومن ستكون هذه الحرب؟ أ بين الشرقية والغربية؟ ام بين المسلمين والمسيحيين؟ ام بين الشيعة والسنة؟ الا ترون معي ان ابناء الطوائف جميعا ينقسمون ما بين الموالاة والمعارضة؟ عودوا الى اصالتكم، يا ابناء لبنان، واعلموا ان لا غنى لكم عن التآلف والتضامن. تفاهموا اليوم، وليكن شعاركم «لبنان واحد لا لبنانان»، وسوف تنجحون حتما في دحر هذه الازمة الحادة التي تكاد تمزق لبنان وتجر الهوان على ابنائه الاحرار الميامين. سئل الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وهو يغادر لبنان عقب زيارته الاخيرة: الا ترى ان اوضاعنا نحن اللبنانيين صعبة جدا، وان حل قضيتنا موجود خارج الحدود اللبنانية؟ فأجاب الرجل الحكيم المخلص: وهل انتم قاصرون ايها اللبنانيون؟ الا تستطيعون حل قضيتكم بمعزل عن الآخرين؟

وبالأمس صرح وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير: «ان فرنسا لا تفضل طائفة على اخرى، الحل هو في ايدي اللبنانيين. عليهم ان يتحاوروا، وان يأخذوا في الاعتبار ان كل الطوائف هي جزء لا يتجزأ من البلاد». يا ايها السادة الكبار، يا من بيدهم الحل والربط، عودوا الى ربكم، حكّموا ضمائركم وقدموا مصلحة لبنان على كل ما عداها. دعوا لبنان ينتصر على اهوائكم الشخصية، وعلى مشاعركم الطائفية والعشائرية، وعلى كل ما يدور في اذهانكم من افكار تتعدى حدود هذا الوطن العظيم، الذي تدمرونه بأيديكم ان انتم ظللتم على مكابرتكم وتشبثكم بمواقف قد تجركم وتجرنا معكم الى الهلاك فابحثوا عن بدائل تغنيكم عن الدخول. في هذا الظرف بالذات، عن لعبة المحاصصة وتوزيع الحقائب الوزارية. يمكنكم مثلا ان تؤلفوا في البداية حكومة اقطاب من خمسة او ستة وزراء: عصام فارس، السيد حسن نصر الله، العماد ميشال عون، وليد جنبلاط، سعد الحريري، اضافة الى شخصية من الروم الكاثوليك اذا لزم الامر. القاعدة الذهبية «لا غالب ولا مغلوب» اتبعوا هذه القاعدة ونحيا جميعا في محبة ووئام. عار على اللبنانيين ان يحكموا من خارج بلدهم ويا ذلهم يوم يفرطون في تاريخهم وتراثهم العريق، وحضارتهم التي اعترف اهل الارض جميعاً بأنها أم الحضارات.

«لا غالب ولا مغلوب» ويعود لبنان الى سالف عهده بالعزّ.. فننتخب رئيساً للجمهورية يحرص على الدستور ويكون على مسافة واحدة من الجميع، ونؤلف حكومة متراصّة تتفاهم على دعمها بكل ما أوتينا من قوة، ونعيد النظر ليس في قانون الانتخاب فحسب بل في كل قانون يحيد عن حقوق المواطنين وحرياتهم. بالحوار والتفاهم بالمحبة والتآلف، بالإخلاص للبنان الواحد، لا اللبنانين الاثنين، نعيد بناء الوطن ومؤسساته، ومن جديد نطلق «لبنان الرسالة» في ارجاء هذا العالم الكبير. نحن مسؤولون جميعاً، حكومة ومعارضة وشعباً، عن مجد لبنان العظيم. حرام أن نفرّط بذرة من تراب لبنان، وحرام ان نحيد قيد أنملة عن سيادته واستقلاله. وحرام ان نتخلّى عن دورنا الكبير في مصائر الانسان.

* صحافي وكاتب لبناني