أمريكا كمان وكمان

TT

كنت في عشاء مؤخرا جمعني مع دبلوماسي أمريكي سابق وكان يتحدث عن زيارة الرئيس الامريكي الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط، واهم ما جاء فيها وبعد الديباجات التقليدية في هكذا مناسبات توقف وقال: ولكن أغرب واقعة في هذه الزيارة كان ما حدث في القدس. فالرئيس الأمريكي كان من المقرر أن يستقل طائرة هليكوبتر للانتقال من القدس الى رام الله بالضفة الغربية، ولكن بحسب وصف الدبلوماسي الأمريكي «كان لله خطة أخرى وأنزل الضباب» فلم يتمكن بوش ورفاقه من التنقل بالجو واضطروا لاستقلال الموكب الرئاسي وسياراته العديدة، وهناك شاهدوا وقائع الاحتلال على الأرض وشاهدوا الحواجز وعدم وجود تسلسل طبيعي للاراضي الفلسطينية ووجود المستوطنات المستحدثة للصهاينة «بتوافق تام» مع خط الكهرباء المعلق. وكأن الموضوع صدفة أو طبعا حسب خطة معدة يراعى فيها احتياجات البنية التحتية الخدمية المطلوبة وأنه استاء من ذلك.

بوش لم يتبق لإدارته سوى أشهر ولا يستطيع اتخاذ أي قرار مهما كانت بساطته ناهيك عن مواجهة اعتراضات اللوبي الاسرائيلي العنيف في واشنطن. ويبقى مراقبة ما يحدث الآن على ساحة الانتخابات الأمريكية التي تتطور من وقت لآخر، ويبدو أن حظوظ المرشح الافريقي الأصل باراك أوباما في تزايد واضح وبات من الممكن الميل لتأكيد ترشيحه عن الحزب الديمقراطي ليواجه جون ماكين عن الحزب الجمهوري.

وقد تساءل أحد الاصدقاء مؤخرا هل تحولت الانتخابات الرئاسية في أمريكا الى مسابقة للهواة على طراز «سوبر ستار» و«ستار اكاديمي»، فباراك يبدو هاويا غير متمرس «يتعلم في الوظيفة» ولا يتقن سوى الخطابة المؤثرة، وبرنامجه المبني على شعار جذاب براق وهو «التغيير» و«نعم نحن نستطيع» هو برنامج خطابي خال من التفاصيل المطلوبة، والتفت لصديقي وعلقت، قد تكون محقا ولكن بالمقارنة مع جون ماكين فهو نعيم كبير فجون ماكين هو استمرارية لخطة جورج بوش الحالية ومحافظيه الجدد. وجون ماكين يدين لرودي جولياني (حاكم نيويورك الأسبق ومرشح الحزب الجمهوري الذي اعلن انسحابه من السباق الرئاسي مؤخرا) بجميل لا يمكن انكاره، فانسحاب جولياني المبكر مهد لماكين النصر في نيويورك ونيوجرسي وكونتكت (وهي ما تعرف بالولايات الثلاثية والتي كانت تعتبر جولياني بطلا قوميا وبالتالي أصواتها مضمونة له)، والجائزة المنتظرة لجولياني في حالة فوز ماكين برئاسة الجمهورية هي منصب المدعي العام أو سكرتير الأمن الوطني، وهما اشبه بوزارة الداخلية مع المباحث! وجولياني المعروف ببغضه الشديد للعرب والمسلمين ستكون فترته بأسا شديدا على العلاقات مع العرب والمسلمين، وسيترحم الناس على أيام جون اشكروفت ولا شك.

اذا كان «الهاوي» باراك أوباما (والذي يصر على إجراء حوار مع العالم الاسلامي) ويثير حفيظة اللوبي الاسرائيلي (وغير القادر على انتقاده لأنه أسود وهناك تاريخ عنيف ومضطرب في العلاقة بين السود واليهود بأمريكا)، اذا كان هو يثير المخاوف لقلة خبرته وهشاشة تجربته «فالمخضرم» ماكين يجب أن يصيب الناس بالذعر لأنه متطرف في أرائه ويرتدي زي البطل القومي والعسكري الباسل الذي ضحى من أجل بلاده وليس هناك أخطر من هذه الخلطة المميتة !

[email protected]