ماكين: أسوأ سمسار عالمي

TT

حتى بالنسبة لنا، نحن الخائفين من مواقف جون ماكين، يبقى هناك شيء ما ينعش حول رجل كسب أصواتا كثيرة رغم إخفاقاته السياسية الكبرى. إنه بلا قاع في السمسرة. الذي قفز بماكين ليس شجاعته الجسمانية في فيتنام، فكثيرين من زملائه السجناء أبدوا كذلك شجاعة فائقة تحت التعذيب، ولكن الكونغرس الأميركي يبدو كما لو أنه سوق حرة للشجاعة، ولذلك فموقف ماكين تجاه الناخبين الأساسيين من الجمهوريين جعلته قلب أسد في العالم السياسي.

ومن المسعد رؤية ناخبين لا يرمون فقط باللحم الأحمر للجماهير ولكنهم يحاولون أن يقدموا خيارات نباتية.

ضعوا التعذيب في الاعتبار، فلا يمكن كسب صوت بين الجمهوريين بمعارضة مسلمين داكني اللون متهمين بالتعذيب، ولكن ماكين قاد معركة ضد ديك تشيني حول التعذيب رغم أن ذلك كلفه موردا من التبرعات والأصوات. وهنا، فما هو أكثر من الزمن الذي قضاه سجينا في هانوي، وهو الذي يؤشر لأكبر لحظاته البطولية، أنه خاطر بمستقبله السياسي لحماية المشتبهين الإسلاميين في الإرهاب والذين يمثلون أكثر الناس عديمي الصوت في أميركا.

ومع العراق يجادل ماكين أن الحل لحرب غير محبوبة هو إرسال قوات إضافية أكثر، وكسب ما يقترب من «البونَص» لعدم إشارته مطلقا إلى أن ابنه جيمي، وهو جندي بالبحرية الأميركية، موجود في العراق إلى هذه اللحظة.

وبالتأكيد، فالإيجابي الذي حصل عليه في برنامج «الحديث المباشر» يعود في جزء منه الى أنه ممثل بارع، لأنه حين حاول مرة أخرى في برنامج «الحديث المزدوج» بدا مذنبا وغير مريح لحد لم يقنع فيه أحدا.

من المثير أيضا أن باراك أوباما يقود المجال الديموقراطي الذي يخوض فيه كمرشح، ولكنه راغب جدا في إغضاب الناخبين الأساسيين سواء بالحديث عن أثر ريغان في التاريخ، أو بالحديث عن الفلسطينيين.

وكل ذلك هو بعينه الحيرة الناضجة في الكلية الانتخابية الأميركية، فالشكوى العامة من الرئيس بوش أنه يبعد نفسه جانبا عن وجهة النظر البديلة، ولكن الشعب الأميركي يملك نفس العقلية، فهو عادة ما يحرق السياسيين الذين يحدثونه عن الأخبار السيئة.

صحيح أن ماكين في بعض الأحيان يشق طريقه بصور ملتوية، ولكن ومع وصول الناخبين الأساسيين اتجه الى اليمين في القضايا الاجتماعية، فبدا أكثر محافظة مما هي حقيقته، فيوم الأربعاء الماضي، على سبيل المثال، تراجع عن موقفه الشجاع في مسألة التعذيب بالتصويت ضد مشروع قرار يمنع «سي آي إيه» من استخدام القوة الجسدية في التحريات.

أما أشهر صفقات سمسرته فقد كانت عام 2000، فبعد أن كان سابقا يشجب العلم الكونفدرالي (كرمز للعنصرية)، عاد وأثنى عليه (كرمز للتراث)، ولكن الذي في صالحه اعترف أخيرا فقال: خفت إذا أجبت بأمانة ألا أستطيع كسب الأصوات الأساسية في كارولينا الجنوبية، ولذلك فضلت أن أساوم على مبادئي.

ومع ذلك، فربما يعترف لنا ماكين نفسه بأي واحد من هذه التصدعات، ولكنه سياسي نادر بشجاعة ليست فقط في أن يتبع الجمهور إنما ليقوده أيضا، ومن المنعش أيضا أن يرى المرء تلك الشجاعة وقد حصلت على جائزتها من الناخبين.

*خدمة «نيويورك تايمز»