المخدر الصيني والنفط السوداني

TT

لعب الروس دورا مهدئا للعراقيين خلال عشر سنوات سبقت الغزو، أعطت الرئيس العراقي السابق صدام حسين احساسا كاذبا بالأمن. وإمعانا منه في إغراء موسكو أهداها الكثير من الامتيازات، بما فيها بترول العراق، على الرغم من ان الصناعة النفطية الروسية حينها كانت تستنجد بالخارج من اجل اصلاحها. النتيجة ان المظلة الروسية لم تمنع سقوط نظام بغداد، لأن نظام توازن القوى الذي اعتمده صدام قام على قدم مكسورة.

نفس السيناريو الذي يعتمده نظام الحكم في الخرطوم يتكئ على علاقته مع الصين ذات المصالح النفطية، والتي ساعدته عدة مرات على تخفيف القرارات الدولية، التي رمت الى معاقبة نظام البشير حيال ما يحدث في اقليم دارفور. لكن السودان في فوضى مستمرة منذ عشرين عاما ولن يصلحها العون الصيني او المدخول النفطي. فالصين لها قدرات محدودة في وجه الضغط الدولي المتعاظم ضد مأساة الدارفوريين. فقد افلحت تهديدات المنظمات الدولية بمقاطعة الالعاب الاولمبية في الصين في تحريك بكين للضغط على الخرطوم لا الدفاع عنها، وأكد الصينيون انهم يحاولون افهام النظام السوداني مغبة ما يحدث في الاقليم المنكوب. وكان اعلان المخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ بالانسحاب من الادارة الفنية للاولمبياد احتجاجا، جعل الصينيين يدركون ان الحملة العالمية ستصيب الدورة في مقتل، وهم يعتبرون البطولة الاولمبية اهم حدث دعائي لبلادهم منذ نهضتها الحديثة لمرحلة ما بعد الماوية.

والسودان ربما ليس العراق، على اعتبار ان الثاني اكثر اهمية دوليا في ثروته النفطية وموقعه الجيوسياسي، مع هذا فإننا امام تاريخ متشابه الى حد كبير. فصدام الذي عاند طويلا تخلى عن كردستان، كما تخلت الخرطوم عن حكم الجنوب بعد نصف مليون قتيل وهزيمة عسكرية دامية. وأصر صدام على المضي في ادارته لكل العراق بلغة التحدي حتى خسر بغداد.

والخرطوم التي تتمتع بمداخيل جديدة من مبيعات النفط صار عندها احساس اكبر بالأمان من اي وقت مضى بدليل انها لم تعد تكتفي بمغامراتها في اقاليم السودان فتجاوزتها الى جارتها تشاد حيث تآمرت على قلب نظام الحكم، ومنيت بالفشل.

كما ان الانظمة العسكرية في المنطقة، مثل السودان، تشعر أيضا ان الخطر الخارجي ضدها تراجع بسبب فشل الاميركيين في العراق، وباتت اكثر ثقة بان لا غزوا ولا صواريخ ستهاجمها، مهما بلغ حنق الرأي الدولي ضدها. وهذا قد يكون صحيحا، الا انه سيشجع نظام الخرطوم على ارتكاب اخطاء اكبر، كما حدث مع صدام، الى درجة سيجد انه لا يستطيع التراجع.

السودان عاش ممزقا منذ هيمنة النظام الانقلابي على الحكم بسبب مغامراته ما بين الجنوب، ودارفور، والآن شرق السودان. وتوسع نزاع اطراف الحكم بين بعضهم. وبدل ان يكون النفط وسيلة لمعالجة اخطاء النظام ودليلا للمصالحة وإصلاح احوال السودانيين، صار السودانيون اليوم الاكثر فقرا في العالم العربي، لأن حكومتهم توجه مداخيلها لتمويل النزاعات من الخرطوم ودارفور وتشاد وغيرها.

[email protected]