مشرف لا يزال رجل واشنطن في إسلام آباد

TT

الرفض الساحق للرئيس الباكستاني برويز مشرف من جانب الناخبين، لم يضعف دعم إدارة بوش له، بل على العكس، إذ بدأت الحكومة الاميركية تضغط منذ ليل الاثنين على زعماء المعارضة المنتصرين في الانتخابات، كي لا يدخلوا في تحد مع رجل الجيش القوي سابقا. على المستوى الرسمي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية، توم كيسي، ان مشرف «لا يزال رئيسا لباكستان»، وأعرب كيسي عن أمله في ان تعمل الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات مع مشرف.

اما على الصعيد الخاص، فقد ضغط عدد من الدبلوماسيين الاميركيين ضد أي جهود ترمي إلى عزل مشرف الذي أكدت الانتخابات انه يواجه موجة رفض غير مسبوقة في تاريخ باكستان منذ تأسيسها.

أخطأ ظن الولايات المتحدة مرة أخرى بتعليق آمالها على زعيم اوتوقراطي ومعاد للديمقراطية. إذ ان برويز مشرف يتبع نمط سينغمان ري الكوري الجنوبي وشاه إيران وفيرديناند ماركوس، الذين توجه ثلاثتهم إلى المنفى، بعد ان لفظتهم شعوبهم. إلا ان مشرف لا يزال رجل الولايات المتحدة في إسلام اباد، وتعتبره واشنطن شريكا في الحرب على ارهاب المتطرفين الإسلاميين ـ بمن في ذلك أسامة بن لادن ـ على الرغم من جهوده المتقلبة.

بعض صناع السياسات في واشنطن لا يزالون أسرى عقلية غير مناسبة تعتمد على جهودهم العام الماضي في التوسط في شراكة بين مشرف، كرئيس، وبي نظير بوتو، كرئيسة للحكومة. فقد جاء في كتاب مذكراتها بعنوان «المصالحة: الإسلام والديمقراطية والغرب»، الذي أعدته قبل اغتيالها في ديسمبر الماضي، تفاصيل غدر مشرف بتراجعه عن اتفاقية تقاسم السلطة التي أبرمت بينهما في اجتماعين العام الماضي. إذ أعد مشرف إجراءات انتخابه رئيسا من قِبل برلمان ضعيف، فضلا عن حملة التطهير التي طالت القضاء وفرضه قوانين الطوارئ وفرضه الاستقالة من قيادة الجيش، إلى ان تم إجباره على ذلك من جانب واشنطن.

منذ اغتيال بي نظير بوتو، ظل ريتشارد باوتشر، مساعد وزيرة الخارجية الاميركية، يستعدي قادة المعارضة الباكستانية بإصراره على التزام مشرف إجراء انتخابات «جيدة» في الوقت الذي حدث فيه تلاعب في الانتخابات. وتقول مصادر باكستانية ان القيادة العليا نبهت بأن افتقار مشرف إلى شعبية في الشارع الباكستاني قد أضعفت الهيبة العامة للجيش. هذه المتغيرات لم ترصد بواسطة سفارة الولايات المتحدة في إسلام اباد، التي أبلغت واشنطن عشية الانتخابات بأن الرابطة الإسلامية (جماعة مشرف) ستحصل على نتائج تمكنها من تشكيل حكومة ائتلافية. وكانت عمليات الغش في الانتخابات الباكستانية الأخيرة قد أفقدت المعارضة 25 مقعدا معظمها في بلوشستان، إلا ذلك لم يمنع حصول المعارضة على عدد كاف من المقاعد يسمح لها بأغلبية تتمكن عبرها من تغيير سياسات مشرف.

ويقول مسؤولون في حزب الشعب الباكستاني ان مشرف يستحق ان يبعد من منصبه لكنهم لن يتحركوا ضده إذا أظهر أي نوع من التواضع إلا ان مشرف، لم يتراجع عن غروره المعتاد، حتى في لحظات الهزيمة.

تحاشت بي نظير بوتو في كتابها (انتهت من كتابته قبل وقت قصير من مقتلها ونشر الأسبوع الماضي) إظهار أي موقف مناوئ للولايات المتحدة، لكنها سردت بالتفاصيل سجلا طويلا لواشنطن في دعم الأنظمة العسكرية التي انقلبت على قادة منتخبين في باكستان. وهنا أود ان اشير إلى انني ورفيقي الراحل رولاند ايفانز قد نظرنا إلى هذا النوع من التوجه من جانب واشنطن في السابق، كونه خطوة ضرورية لكسب باكستان كحليف ضد الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة.

صورة الحكومة الباكستانية الحالية ترددت باستمرار خلال الحرب على إرهاب المتطرفين الإسلاميين، على الرغم من انه كان واضحا ان مشرف لم يكن يتابع ذلك النزاع بقوة ونشاط. أثارت بي نظير بوتو اهتمامي عندما تحدثت معها صيف العام الماضي في نيويورك، إذ عكس حديثها التزاما قويا ضد المتطرفين داخل باكستان على نحو لم يبدر مطلقا من مشرف. آصف علي زرداري، الذي تولى رئاسة حزب الشعب عقب مقتل زوجته، لن يصبح رئيسا للحكومة، ولكن بصرف النظر عمن يأتي رئيسا للحكومة لا يمكن ان يعتمد عليه في التوجه المحفوف بالمخاطر الذي وعدت بي نظير باتباعه، مثل إغلاق المدارس الدينية ومحاربة «القاعدة» في منطقة القبائل. الباكستانيون لا يتوقعون مساعدة من مشرف، وزارة الخارجية الاميركية وحدها هي التي ما تزال تتعامل معه بصورة جادة.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»