«أوراق لبنانية»

TT

أعيد هذه الأيام قراءة بعض الكتب التاريخية والوثائق الفرنسية عن لبنان، لأنه لم يصدر في لبنان نفسه كتاب تاريخ حقيقي، او مقبول برغم بضع محاولات موضوعية، كمثل مؤلفات الدكتور كمال الصليبي استاذ التاريخ السابق في الجامعة الاميركية.

اللبنانيون الذين كتبوا تاريخ لبنان كانوا يشبهون، في معظمهم، اخوانهم اللبنانيين: إما في التحيز المرضي الذي لا يليق بالمؤرخ، واما بالحياد المرضي الذي لا يليق بالمؤرخ، ولا يبقي شيئاً من الحقائق، واما بالمحاباة المرضية التي لا تليق بالمؤرخ. ولذلك بقي لبنان من دون «كتاب تاريخ» يجمع اللبنانيون عليه، أو يقبلون به، لذلك عليك اذا اردت شيئاً من الموضوعية في معرفة التاريخ المعاصر، أن تعيد قراءة مختلف الأبحاث والوثائق التي وضعها المؤرخون الأجانب. وهذا، ببساطة، ما فعلته دائماً وما افعله اليوم، في محاولة للعثور على الجذور التاريخية للصراع المصيري القائم. والانطباع الأول هو ان التاريخ يكرر نفسه على هواه. ففي عقد الثلاثينات، مثلا كان الصراع، مثل اليوم على رئاسة الجمهورية. وكان بطريرك الموارنة، الياس الحويك في سن متقدمة والمطارنة من حوله يتصارعون على خلافته. وكانت سورية هي موضوع النزاع، بين المسيحيين فيما بينهم من جهة وبينهم وبين المسلمين من جهة اخرى. واليك هذه الاضافة ايضا: كانت فرنسا الانتدابية، برغم عداء سورية لها، تحاول ان تسترضيها في لبنان من اجل ان تخفف الثورة ضدها.

انقسم الموارنة حول الرئاسة في عداء شديد، بين موالين لـ«الكتلة الدستورية» بزعامة بشارة الخوري ولـ«الكتلة الوطنية» بزعامة إميل اده. وكان بشارة الخوري قد بدأ حياته محامياً في مكتب اميل اده، كما بدأ ميشال عون قائداً للجيش عند امين الجميل. والمفارقة ان سنة لبنان ودروزه كانوا يقفون مع سورية ويطالبون بالوحدة معها. وكذلك فعل الشيعة لكنهم عادوا فطلبوا الدولة اللبنانية فصدموا بأن لا مكان كافياً لهم فيها. وفي ذلك العقد ايضاً طالب الشيعة بأن تكون لهم مرجعيتهم الخاصة لا ان يكونوا في كنف «مفتي الجمهورية».

قامت الدولة اللبنانية المستقلة عام 1943 فوق مستنقع من النوايا المتضاربة والمتربصة. وقبل زعماء السنة الاستقلال على اساس ان تعقبه الوحدة مع سورية عندما تستقر الأمور، فيما قبل المسيحيون فض الحماية الفرنسية مكرهين. والمشهد اليوم نزاع وغضب وسورية في قلبه، لكن الذين يرفعون راية «الاستقلال» عنها هم السنة والدروز، فيما يأمل العماد ميشال عون في نوع من الكونفدرالية مع دمشق.