أعرف من كلب

TT

رغم كل ما أولاه قدماء المصريين للقطط من تكريم، فإن مساهماتها في الحضارة البشرية محدودة، على عكس الكلاب التي ندين لها بالكثير. انعكس ذلك في كثير من الأقوال الشعبية، فنحن نصف الرجل الكريم بأنه جبان كالكلب والرجل البخيل بأنه شجاع كالكلب. ونقول عن الوفي بأنه أوفى من الكلب. ويقول الأوروبيون إن الكلب أخلص صديق. لم أسمع عن القطط سوى أن الانجليز يصفون المرأة اللعوب بأنها قطة. نحن مدينون للكلاب في هذه الأيام بشتى المهمات، فهي مكلفة بالكشف عن المخدرات والمتفجرات والمسروقات وحراسة الأماكن الحساسة. وهو ما توصل اليه أحد الانجليز عندما استطاع أن يدرب كلبه على حراسة شرف زوجته. وهي لعمري مهمة أصبحت شاقة جدا في هذه الأيام.

يقوم الكلب بمعظم هذه المهمات بما له من قوة حاسة الشم. ولكن هناك من يعتقدون بأن للكلب موهبة أخرى تمكنه من قراءة المخفي. وتروى عن ذلك حكايات كثيرة، ومنها أن الكلب كثيرا ما يهب من نومه ليلا وينبح ويهمهم ويجري هنا وهناك في قلق واضطراب عندما يتعرض سيده لحادثة في الطريق أو يتعرض البيت لخطر.

بيد أنني اكتشفت أن للكلب موهبة أخرى. إنه أقدر من البشر في التمييز بين إنسان وآخر. هناك بعض الكلاب التي عرفت بالشراسة ولا تترك رجلا يمر أمامها من دون أن تنبح عليه أو تهاجمه وتعضه. كثيرا ما حذروني منها. ولكنني لاحظت أنها لا تفعل اي شيء من ذلك عندما أمر أنا أمامها، بل كثيرا ما تهز ذيولها لي من باب الترحيب والمسرة. الشيء الذي استنتجته من ذلك أن هذه الكلاب الشرسة تخاف الإنسان وتخشى عدوانيته، والحق معها، فتنبح عليه. ولكنها على ما يظهر تدرك بموهبتها الغريزية أنني إنسان مسالم ومن تلامذة غاندي، أؤمن باللاعنف والجهاد المدني. وإذا كنت لا أحب بني الإنسان أحيانا فإنني بدون شك أحب بنات الإنسان. كيف اكتشفت هذه الكلاب أنني تتلمذت على فلسفة غاندي؟

هذا ما كنت أقوله. تتميز الكلاب على البشر بمقدرة التمييز بين إنسان وآخر. وهو ما يفتقر اليه بكل وضوح الكثير من كتابنا ومثقفينا. أراهم بين الحين والآخر لا يستطيعون كبح غرائزهم العدوانية فينبحون عليّ هنا وهناك بأقلامهم وينهشون لحمي. يا جماعة تعلموا من الكلاب. فالكلاب تشعر بإنسانيتي وسلاميتي فتدعني أمر بسلام. تعلموا منها.

ويظهر أن بعض الشعوب أيضا تميزت بهذه القدرة على التمييز التي تعلمتها كما أعتقد من الكلاب وكثرة مصاحبة الكلاب. فسويسرا مثلا بلد مسالم يتمسك باللاعنف واللاعدوانية. ورأينا كيف أن الدول الأوربية الأخرى شعرت بذلك فلم ينبح على سويسرا أحد أو يمزق سروالها ويعض رجلها. وفي هذا درس لعالمنا العربي وشعوبنا وأبنائنا. التمسك بالروح السلامية اللاعنفية واللاعدوانية خير وقاء للإنسان من التعرض للنباح والمهاوشة والمضايقة. الكلاب تعرف ذلك. دعونا نتعلم منها.