حبس سنة على هاتف جوال

TT

أحد القضاة أرسل واحدا من اللصوص الصغار الى السجن عاما، لأنه سرق هاتفا جوالا، في حين أن الذي نسمعه ان السجون مكتظة، ونعلم أن القيمين عليها يشتكون من الانفجار السكاني فيها. ونعرف كذلك ان السجن عموما هو الخيار المر لمعالجة الجنح الصغيرة، عندما تفشل الحلول الأخرى. فاذا كان اللص ينال جزاءه عاما كاملا على سرقة هاتف قيمته مائة دولار، ما الذي تبقى لمعاقبة القتلة وتجار المخدرات والمغتصبين وعتاة الحرامية ومرتكبي العنف واصحاب الجنح الكبيرة؟

ربما ارتأى القاضي معاقبة هذا اللص تحديدا بشكل أقسى من المألوف، لأنها تكررت منه مرات، او لأنه ارتكب جملة جرائم سابقة، لا أدري، لكنني اظن ان السجن ليس المكان المناسب لارسال الاحداث، ومرتكبي الجنايات الصغيرة عموما، لأنهم يدخلونه هواة ويخرجون منه محترفين وعتاة ان بقوا فيه فترة طويلة.

وحتى لا نلوم القضاة، نحن لا ندري أيضا ما هي الخيارات المتاحة امامهم، قبيل الحكم على المذنبين من أجل منحهم أقصى فرصة ممكنة لتجنيبهم السجن والعقوبات الشديدة، من أجل يستقيموا لا أن ينحرفوا أكثر. إنما الكل يدري بشكل عام ان السجون ليست المكان الملائم للإصلاح مهما حاول القيمون عليها تطويرها. وهناك خيارات غير السجن، تتمثل في إلزام المخالفين بأداء خدمات إصلاحية لمجتمعهم. وهناك التشهير. وهناك السجن المنزلي الذي تستخدم فيه الحلقات الالكترونية فلا يخطو خطوة خارج منزله الا ويعتبر مخالفا، أو خليط من كل ما سبق، بما يحقق الردع والتقويم فلا ينعم بقضاء العقوبة في البيت ولا يزج به في سجن مع غلاظ المجرمين.

وفي كل الحالات فإن القضاة مسؤولون ليس فقط عن إرسال الجناة الى السجون، بل أيضا عن نتائج العقوبات، وعن تأثيراتها على المجتمع. فان أرسل حدث صغير لفترة طويلة بسبب جريمة صغيرة وتخرج مجرما فانها مسؤولية القاضي، كما أن إصرار المحاكم على النطق بالأحكام من دون معرفة ما هي أوضاع السجون والمساجين تصبح من مسؤوليتها. فهل يزور القضاة السجون لمعرفة كيف يقضي المحكومون عقوباتهم؟ وهل يمكن للقضاة دراسة الأوضاع في السجون لا فقط دراسة القضايا؟

ليس جديدا القول إن العديد من مرتكبي الجرائم هم في النهاية ضحايا لبيئتهم، نقص في التربية السليمة، أو عجز في تلبية احتياجاتهم، أو عن مرض مثل الإدمان على المخدرات الذي يدفع أصحابه إلى السرقة من أجل تمويل هذه العادة السيئة. وهنا تصبح مسؤولية القضاة والسجانين كبيرة في محاولة إصلاح ما عجز عنه المجتمع وراء الجدران. فمنح النزلاء فرص التعليم والتدريب والانخراط لاحقا في العمل حل أساسي لعلاج المشكلة من جذرها لا مجرد تأديب المجرم عاما أو عشرة أعوام.

[email protected]