كوبا بعد كاسترو: أي مستقبل؟

TT

أتصور ان العالم الخارجي ينظر إلى آخر التطورات في كوبا على نحو مختلف عن الطريقة التي عرضت بها علينا هنا. فقد كتب لازارو باريرو، رئيس تحرير «غرانما»، صحيفة الحزب الشيوعي، تعليقا على تنحي فيديل كاسترو: «فيديل نجح في ترك الحياة السياسية مفضلا أن يدخل الحياة الأسرية للغالبية الساحقة للكوبيين عضوا حميما».

إلا ان هذا الدخول مؤلم بالنسبة لأسرتي. ففي مارس 2003 اقتحم عدد من أفراد الشرطة منزلنا وبدأوا عملية تفتيش في شقتنا الصغيرة استمرت 15 ساعة، واقتادوا في نهاية الأمر زوجي، عمر رودريغيز، وهو صحافي كان يحلم بكوبا مزدهرة وكان يريد ان ينعم الكوبيون بالرخاء. أصدرت محكمة حكما بسجن عمر 27 عاما بموجب تهم تتعلق بـ«العمل ضد استقلال البلاد وسيادة أراضيها»، وذلك بسبب كتابته مقالات والتقاطه صورا ونشرها على صفحات مطبوعة «دي كوبا»، وهي واحدة من بضع مطبوعات سرية رأت النور في بلادنا. تضمنت وثيقة الإدانة أدوات هذه الجريمة المفترضة وصادرتها منه، وهي جهاز تسجيل صوتي ومايكروفون وسلك وشاحنة بطاريات.

أعلنت منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشونال) ان زوجي و73 آخرين اعتقلوا معه من «سجناء الضمير». لا شك لدي في الجهة التي أصدرت تعليماتها لتنفيذ هذا العمل القمعي.

لا يمكن ان قول ان استقالة فيديل كاسترو كرئيس للبلاد قد فاجأت أي شخص هنا. فقد رأينا جميعا الضعف الذي بدا عليه عند ظهوره في لقطات الفيديو التي كان يبثها الحزب الشيوعي من حين لآخر على مدى الـ19 شهرا الماضية. كان يظهر وهو جالس على كرسي ويرتدي بدلة رياضية ملونة وصوته ضعيف لا يكاد يسمع، وهذا بالطبع مشهد مفارق تماما لكاسترو المعافى بقامته المنتصبة وزيه العسكري الأخضر المميز وهو يتحدث إلى الكوبيين لساعات متواصلة وهو يقف على منصة أو من على شاشات التلفزيون.

لدى مشاهدتي هذه التغيرات الجسدية على هذا الرجل، الذي بلغ من العمر 81 عاما، وجدت انه من الصعوبة ان أتوقع شيئا آخر سوى تغير كوبا، خصوصا انه لم يعد رئيسا، كما انه صرح بنفسه ان كل ما سيفعله هو كتابة عموده بعنوان Reflections وبتوقيع «الرفيق» وليس «الزعيم». (من المحتمل ان يستمر في توجيهنا، فقد لاحظ جيراني انه لم يقل انه سيستقيل من منصبه كأمين عام أول للحزب الشيوعي الكوبي). من الصعب أيضا تخيل ان كوبا لن يوجهها فيديل كاسترو. عمري الآن 38 عاما، وعمر سيكون 43 عاما في يوليو المقبل. كان كاسترو عندما ولدنا «قائدا مدى الحياة». لم نعرف على الإطلاق أي كوبا أخرى، كما اننا لم نخطوا شبرا خارج حدودها.

كل ما أتمناه، هو ان تصبح ظروف كوبا اقل صعوبة. نواجه نحن الكوبيين محنة في إطعام وكساء أنفسنا وحتى في استخدام المواصلات العامة أو ان تكون لدينا هواتف. (هنا نقول ان الكوبيين لديهم ثلاث مشاكل فقط: الإفطار والغداء والعشاء). وضعت هذه الاحتياجات العادية حتى قبل أحلامنا بالحرية السياسية والقدرة على التعبير عن آرائنا والسفر بحرية.

اعتقد ان عمر وزملاءه يريدون المساهمة في إحداث هذه التغييرات كي تتوفر اللقمة على موائد الناس ويصبحوا قادرين على التحدث بحرية. إلا ان عمر وزملاءه يعتمدون الآن على زيارتنا الشهرية في الحصول على طعام كاف، ولا يتحدثون بحرية إلا داخل زنزاناتهم القذرة.

القرار الخاص بمن سيحكم كوبا وكيفية قيادة البلاد لا تحدده زوجة سجين سياسي. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار ما تحملته أسرنا وما تحمله بلدنا، لا أنا ولا زوجي ولا أطفالنا الثلاثة لا نريد من أي زعيم ان «يدخل نفسه كشخص مقرب» في أسرتنا مرة أخرى.

* زوجة الصحافي المستقل عمر رودريغيز، الذي يقضي عامه الخامس من الحكم الذي صدر بسجنه 27 عاما في سجن توليدو قرب هافانا.

خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»