العراق.. كلمات كثيرة عدا «النجاح»

TT

لماذا سميت الزيادة في عدد القوات الأميركية التي أرسلت إلى العراق والبالغ عددها 30 الف عسكري بـ«الجيَشان»؟ هل لأن هذه الكلمة تثير صورا من البحر حينما تأتي موجة تكتسح ما يقف أمامها ثم تنسحب مرتدة إلى الخلف؟ لكن الجزء الثاني من الحركة أساسي. فما ميز «الجيَشان»؟ «عن غيره من نشر وحدات عسكرية هو أنه مؤقت. وفي الحقيقة طرح «الجيشان» باعتباره جزءا من خطة أوسع لسحب القوات.

إنه كان اتفاقا ضمنيا بين الرئيس بوش وأغلبية الأميركيين الذين يريدون انسحاب القوات الأميركية من العراق. والاتفاق كالتالي: دعوني أرسل عددا من الجنود إلى العراق للسيطرة على بغداد، ثم سيتمكن الجميع من الانسحاب والعودة إلى وطنهم.

من دون أي شك، نجح بوش في مقامرته. فإرسال وحدات جديدة شكل نجاحا باهرا. يمكنك أن تختار المقياس الذي تحسب فيه هذا النجاح من حيث عدد الهجمات على الجنود الأميركيين، ومن حيث عدد السيارات المفخخة، ومن حيث عدد القتلى بين المدنيين. وفي كل هذه الحقول تحقق انخفاض. فباعة الشاي في الشوارع ازداد ومسرحيات شكسبير راحت تعرض من خلال فرق محلة، حيث زاد عددها ثلاث مرات عما كانت عليه قبل عام.

نحن لا نحتاج أن نتخاصم حول كل ذلك، أو إنكار حقيقة الأخبار الطيبة، لكن السؤال الأساسي الذي يمكن طرحه: هل أدت الزيادة الكبيرة في القوات الى البدء بالانسحاب؟ الإجابة: لا.

يمكن القول إن الرئيس بوش قد وضع معيار النجاح حينما أعلن عن «الجيَشان» قبل عام واحد: «إذا زدنا دعمنا في هذه اللحظة الحاسمة وساعدنا العراقيين في كسر حلقة العنف، سنتمكن من تسريع اليوم الذي يعود فيه جنودنا إلى بيوتهم». آنذاك كان عدد الجنود الأميركيين يصل إلى حوالي 130 ألف في العراق. واقترح بوش إضافة 20 ألف جندي لهم. وعلى الرغم من أن بوش لم يقدم أي وعد رسمي حول الجدول الزمني للانسحاب، ووصف «الجيشان» بأنه سيستمر ما بين 6 إلى 8 أشهر.

وقبل انتهاء الصيف الماضي بلغ عدد الوحدات المضافة في العراق ما يقرب من 160000 بعد إضافة ما يقرب من 30 ألف جندي أميركي. وظلت الخطة الرسمية تهدف إلى إعادة عدد الوحدات الأميركية في العراق إلى 130 ألف جندي قبل انتهاء يوليو المقبل، ثم يبدأ السعي لتقليص القوات كي تصل إلى 100 ألف من الجنود قبل مغادرة بوش للبيت الأبيض.

لذلك فإن أفضل ما نأمل في تحققه من حيث تعرض الوحدات الأميركية لخطر على حياتها في العراق، هو أنه سيكون هناك عدد كبير منها في يوليو المقبل، وربما حتى حينما يترك بوش مكتبه في يناير المقبل، مثلما كان عليه العدد قبل عام واحد. سينسحب «الجيشان» بعد تقدمه تاركا إيانا مع نفس العدد الذي بدأنا به الحرب. ربما سيتحسن الوضع في بغداد أو في كل العراق، لكن يبدو أنه لن يتحسن بشكل كاف يجعله بعيدا عن المخاطر، التي تترتب على تقليص التزام الوحدات الأميركية.

وعند أخذك بنظر الاعتبار كم هو متواضع المعيار الذي تستخدمه إدارة بوش لقياس النجاح في العراق، هل سيمكن اعتبار تخفيض القوات الأميركية إلى 100 ألف جندي انتصارا؟ المقارنة الصحيحة هي ليست بين الوضع الذي كان عليه قبل عام. يجب أن تكون المقارنة مع الوضع الذي كان عليه العراق قبل ذهابنا إليه. تصور أنك أخبِرت في عام 2003 أنه قبل مغادرة بوش لمكتبه الرئاسي مع انتهاء فترة رئاسته الثانية، سيكون هناك عشرات القتلى من الأميركيين ومئات من المدنيين العراقيين بسبب العنف، وإن الحكومة الأميركية ستكافح من أجل اقناع الحكومة العراقية لتحسين قانون اجتثاث البعث كي يتمكن زبانية صدام من إدارة الأمور مرة أخرى، وإنه لن تكون هناك حاجة للجنود الأميركيين عدا عن «100 ألف» منهم للحفاظ على التوازن في العراق.

قد تردد عدة كلمات كي تصف هذا الوضع لكن كلمة «نجاح» لن تكون إحداها.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)