ليلة أغرقتنا الأمطار والغضب والطرب!

TT

تحت الأمطار الغزيرة ظللنا نرقص وقد تشابكت أيدينا مع يديّ الرئيس فيدل كاسترو. ففي سنة 1962 اشتركنا في مؤتمر القارات الثلاث في مدينة هافانا عاصمة كوبا. وكان الرقص طويلا.. طويلا في الزمان وفي المكان أيضا.. فقد تماسكت الوفود كلها لكي تزرع شجرة في غابة التضامن الأفريقي الآسيوي الأمريكي. وكنا نردد أغنيات وإيقاعات لا نعرفها. لكن من السهل مسايرتها.

فقد اخترع موسيقار كوبي اسمه بيالو الأفريكانو رقصة شبيهة بالروك آند رول واسمها الموزمبيكا. وكان من السهل أداؤها. فكلماتها قليلة وحركاتها كثيرة. وكذلك أغنية ورقصة اسمها ماريا كاراكوسا. ولا يوجد أحد في أمريكا اللاتينية لا يرقص وهو يأكل ويشرب. فالدنيا كلها تتراقص بهم ومعهم ومن أجلهم.

والبلاد جميلة ـ الطبيعة جميلة وإن كان الفقر والإرهاق باديين على وجوه الناس. ولما سمع الرئيس كاسترو من الزملاء المصريين أنني لا أدخن استاء وأحس كأنني كافر أو مارق.. كيف أكون في بلاد السيجار الفاخر ولا أدخن. وأشار إلى من يأتي بسيجار كبير. وجاء وعلمني كيف أدخن.. وذلك بأن أغمس السيجار في كوب القهوة فيبتل جانب منه ثم أقضمه وأبصقه على الأرض بصورة مسموعة.. ثم أخرج من جيب البنطلون زجاجة يسميها الشوام «بطحة».. وأملأ فمي منها وأدخن هكذا.. ولم أكد آخذ نفساً حتى رحت أسعل الليل كله.. وكانت مناسبة للضحك والتسلية!

أما الشيء الذي لا يحتمل في هذه البلاد الجميلة فالقهوة، فهم يطحنون البن والسكر معاً. فبلادهم غنية بالدخان وقصب السكر. ولما جاء الفيلسوف الوجودي سارتر إلى كوبا ورأى حالتها الاقتصادية قال: إن بلاد السكر مصابة بالسكر: ضعيفة هزيلة.. ولكنها واقفة في حلق أمريكا. فقد أتت بالشيوعية والصواريخ تحت نافذة الرئيس الأمريكي كيندي.

أما كاسترو فهو الولد الشقي في أمريكا اللاتينية وهو الفتى الأول العملاق الذي تدور حوله أجمل فراشات وغزلان كوبا. ويقال إن له ألف عشيقة ويقال أكثر..

ولا أحد يشكو.. فالكل يغني ويدخن ويشرب ويهتف بسقوط الإمبريالية والرأسمالية وحياة المعذبين والمضطهدين في الأرض..

ثم ألقى كاسترو سلاح الكفاح بعد خمسين عاماً من الجلوس على العرش تحت التاج الماركسي!