آقاي نجاد.. «أتركونا بسلام»!

TT

بعد أيام سيحل الرئيس أحمدي نجاد ضيفاً على بغداد. وزيارته، بطبيعة الحال، على الرغم من التوازي ما بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية من فعل داخل العراق، إلا أنها بدت مختلفة شكلا عن زيارات الرئيس الأمريكي بوش. فالأخير يدخل بغداد بلا دعوة ولا إذن! هكذا هي الاحتلالات منذ غابر الزمان. ألم يجلس هولاكو (656هـ) بقصر الخليفة ويحاكمه بقصره، ويهزأ منه قائلا: «إنك المضيف ونحن الضيوف، فهيا أحضر لنا ما يُليق» (الهمداني، جامع التاريخ)! إلا أن (مستعصم) زماننا هرب، ولم يقابل محتلي بلاده إلا في حفرة!

لعلها الزيارة الأولى، في تاريخ إيران المعاصرة، لشاهٍ أو رئيس من تلك البلاد إلى العراق بعد استقلالها من الدولة العثمانية، بينما زار بلادهم الملك فيصل الأول (ت 1933)، وحصل على الاعتراف بالحدود، مع قطع الأهواز كصفقة بين التاجين: البريطاني والإيراني. وإذا أصابت الذاكرة فقد زارها ايضاً الأخوان الرئيسان: عبد السلام عارف (قُتل 1966) وعبد الرحمن عارف (ت 2007). وشاع أن الأول، وربما ورد عن طريق المزاح: طلب استبدال رفات الإمام أبي حنيفة (قُتل 150هـ)، حيث الأعظمية ببغداد، برفات الخليفة هارون الرشيد، حيث طوس من خراسان. وللأسف لا رئيسنا السابق عارف ولا رعاياه يعلمون أن الإمام عراقي الأصل، لكن من غير العرب! فهذه البلاد كانت ومازالت متشابكة الجذور والأزمنة. لا أدري، إذا ما تذكر آقا نجاد، وهو يحل ببغداد ضيفاً، تلك المقبرة، التي حل فيها الإمام أبو حنيفة، وكانت من قبل مقبرة ملكية للساسانيين! ويصل إلى حقيقة، تبدو لم تصلها لا إيران الشاهنشاهية ولا إيران الإسلامية ألا وهي أن العراق بلد قائم بجغرافيته، وما كان من شأن فارسي قديم، وصفوي بعده، مضى وتولى! قد لا يدع هذا التاريخ من الهيمنة زعامات إيران بالتحول إلى العلاقات المتكافئة، ولا بد من بقاء غرور باحتساب العراق من حقها. وربما الحال نفسه مع تركيا أيضاً، وها هي تواصل اجتياحاتها لشماله!

ليس خافياً تدخل بلاد آقا نجاد في كبائر وصغائر العراق، وهو القائل: «نحن مستعدون لملء الفراغ حال انسحاب أمريكا»! ومعلوم ماذا يعني ملء الفراغ، هل مما هو موجود من قوة بالداخل أم سرايا من الجيش الثوري؟! فقبلها تدخلت إيران بتعيين رئيس وزراء، بُعيد انتخابات (2004)، يوم نشرت الصحف اعتراضها أن يصبح فلان رئيساً للوزراء. لأنه، على الرغم من تمسكه بشيعيته وائتلافه في الإئتلاف، ليس مضمون الولاء. وقد سمعنا الرجل يقولها لملأ من العراقيين، كيف أبلغه السفير الإيراني بالرفض القاطع!

ولا ذنب لإيران أن تملأ أسواق العراق ببضاعتها، من الطماطم وحتى السمك والتمر، إلى سلاسل التسويط بعاشوراء، والثياب والكتب! فالفلاح العراقي عجز عن الزراعة وفشل بالمنافسة! وأولياء الأمر (المنتخبون) بلا مؤهلات، ويحق علي القول: «فاقد الشيء لا يعطيه»! وبفعل التجارة، غير المتبادلة، عبر البصرة، قد تمسي اللكنة الفارسية أسلس على الألسن من اللهجة البصرية! ومع ذلك، فألف ومائتا كيلومتر من الحدود تحتاج إلى تبادل مصالح وتعاون في أغلب الشؤون، لكن ليس على هذه الشاكلة!

ما نأمله من الرئيس نجاد أن يحاول نسيان تلك العصور، وأن ينظر إلى معاهدة آذار 1975 بأنها رشوة قدمها نظام لنظام، وقد ذهب الراشي والمرتشي، وأن الخميني بلحمه ودمه أعلن آنذاك من النجف امتعاضه من تلك الصفقة. وأن أهل تلك المدينة، التي من المؤكد سيزور الرئيس ضريحها، هتفوا حينها: «شط العرب إنه (لنا) مية بالمية»! ومازالوا يقولونها، وهي الدليل على أنهم يتعاملون مع أوطان لا مع مذاهب! وألا تعيد هذه الزيارة إلى ذاكرة العراقيين (منلوج) مطربهم فاضل رشيد المسموع من إذاعة بغداد، لسنوات طويلة كلما أثيرت مسألة الحدود بين البلدين، وتأتي مياه شط العرب وجرفاه بالمقدمة: «بهلوي شتريت منا.. جمع كن.. جمع كن (أذهب عنا)»! وما في تلك الكلمات من غضب وتثاقل من كثرة مطامع! وقد لا يميز أهل الرافدين بين الإمبراطور بهلوي والرئيس نجاد، فهما سواسية مازالا يصران على شرب ماء ونفط البصرة!

وليت الرئيس تذكر قولة أحد أسلافه، من ملوك الفرس، وهو يمر ببغداد، في طريقه إلى عاصمته المدائن، قالها بلسان قديم: «هلدوه وروز»! ومعناها على ذمة الحموي (ت 626هـ) «خلوها بسلام» (معجم البلدان). سألت أحد أبناء طهران، من خصوم ولاية الفقيه، هل سيفهم رئيسكم العبارة؟! قال: «هذا ليس من لغتنا الحيّة»! إنما قولوها له: «بگذاريد در آرامش باشد»! أي: «أتركونا بسلام»!

[email protected]