كوبا.. خيارات الرئيس الأميركي المقبل

TT

ترك فيدل كاسترو الرئاسة في كوبا باختياره، ليس هو نوع التغيير الذي ظل يتوقعه الرؤساء الاميركيون المتعاقبون لكوبا. تنحي كاسترو في الواقع مؤشر على ان مساعي الولايات المتحدة لعزل كوبا وإسقاط حكومتها الاشتراكية، قد منيت بالفشل.

إذ ان فنزويلا والصين وكندا والبرازيل لها وجود نشط وقوي في كوبا. فنزويلا، على سبيل المثال، لا تزال تزود كوبا بنفط مخفض السعر، كما ان كندا وأسبانيا والصين أقامت استثمارات رئيسية في مجال السياحة والطاقة والنيكل بكوبا على مدى العقد السابق. هذه العلاقات ساعدت كوبا على تحقيق معدل نمو اقتصادي وصل إلى 7 في المائة العام الماضي (طبقا لتقديرات سي.آي.أيه) على الرغم من مساعي الولايات المتحدة للحد من انسياب العملات الصعبة باتجاه الجزيرة.

بصرف النظر عن مدى نجاح أو فشل الرئيس الكوبي الجديد في تنفيذ أية وعود، فإن كوبا على عتبة تغيير في الأجيال التي تلعب دورا في سير الأحداث في ظل بداية مغادرة كاسترو ومجموعته الساحة واحدا بعد الآخر. ويمكن القول ان الرئيس الاميركي المقبل يواجه خيارين: اما مواصلة سياسة العقوبات غير الفاعلة ضد كوبا، أو إعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة على أساس احتمالات جديدة.

بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة، بدأت بالفعل تتحرك إلى الأمام. فأسبانيا بدأت مسبقا حوارا حول حقوق الإنسان مع كوبا. كما ان الرئيس البرازيلي لويس لولا دا سيلفا، الذي منح كوبا في الآونة الأخيرة خط ائتمان بقيمة مليار دولار، قد عرض على الجزيرة بديلا ممكنا لاعتمادها على الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.

لم تكسب الولايات المتحدة شيئا من تعاملها مع كوبا على أساس «كل شيء أو لا شيء». لم تخدم هذه السياسة مصالحنا ولم تلب مبادئنا. هناك خطوات كثيرة بوسع الرئيس الاميركي المقبل اتخاذها، بهدف زيادة نفوذ الولايات المتحدة في كوبا. بصرف النظر عما إذا ستحدد الحكومة الكوبية المقبلة موعد إجراء انتخابات تعددية أو تطلق سراح المسجونين السياسيين (ليس من المرجح ان يحدث ذلك في المستقبل القريب) فإن للرئيس الاميركي المقبل مصالح أمنية تستوجب الحماية، تتمثل في وقف تدفق اللاجئين بصورة غير قانونية وتحسين الوضع الأمني حول القاعدة الاميركية في غوانتانامو ووقف نشاط تهريب المخدرات باتجاه الولايات المتحدة عبر المياه الكوبية والحماية اللازمة من الأضرار البيئية على خليج فلوريدا الناجمة عن عمليات استكشاف النفط في المياه الكوبية. من المحتمل ان يثمر الحوار حول هذه القضايا الأمنية نتائج مباشرة، ويساعد على إقامة اتصالات وبناء ثقة تؤدي إلى وضع الإدارة الاميركية المقبلة في وضع يساعده على الاهتمام على نحو أكثر فاعلية بالمصالح الأخرى الملحة مثل الحقوق السياسية وحقوق العمال وحقوق الإنسان بصورة عامة في كوبا وحسم المطالب الاميركية هناك والتفاوض حول نظام التجارة والأسس المنظمة التي من شأنها وضع مصالح الولايات المتحدة في مجال المال والأعمال على قدم المساواة مع المنافسين الآخرين في كوبا. القيود الاميركية على السفر إلى كوبا فشلت في إضعاف حكومة الجزيرة، على الرغم من مساهمتها في عزلة الكوبيين. التواصل بين مجتمعينا يجب ان يجد التشجيع اللازم. يجب ان يسمح الرئيس الاميركي المقبل، في الحد الأدنى، بنوع من التبادل والتواصل بين أفراد المجتمعين، بمن في ذلك الفنانون والموسيقيون والطلاب والمجموعات الدينية، وهي السياسة التي تبناها الرئيس الأسبق رونالد ريغان مع الاتحاد السوفياتي خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي. هذا النوع من البرامج انتعش مع كوبا حتى عام 2003، الأمر الذي سمح للكوبيين من مختلف الشرائح الاجتماعية بتبادل المعلومات والآراء مع رصفائهم الاميركيين.

العقوبات التي فرضتها إدارة بوش عام 2004 بشأن السفر وتحويلات الاميركيين من اصل كوبي يجب ان يعاد فيها النظر أيضا، إذ ان الاتصالات والمساعدات المالية شريان حياة للكوبيين، الذين يكابد الكثير منهم صعوبات العيش. يجب ان تضع الإدارة الاميركية المقبلة في الاعتبار إجراء محادثات بهدف تخفيف القيود التي يبقى بموجبها الدبلوماسيون الكوبيون والاميركيون في حدود العواصم التي يعملون بها.

ويبقى القول ان الرئيس الاميركي المقبل لا يجب ان تكون لديه أية أوهام بأن أي تعديلات متواضعة في السياسات ستؤدي مباشرة إلى النتائج السياسية والاقتصادية، التي نريد في كوبا، لكنها ستخدم المصالح الاميركية، وإذا سادت الواقعية في نهاية المطاف في كوبا، فإن ذلك سيساعد في دفع مصالح الشعب الكوبي أيضا.

* محاضر في معهد ليكزنغتون الأميركي

خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)