سلة أزهار فينوس

TT

ولله في خلقه شؤون، ولا أدري لو أن في سلوكيات البشر وقدراتهم نفس سلوكيات وقدرات بعض الكائنات البحرية، هل يكون ذلك في صالحهم أم أن العكس هو الصحيح؟!

فمثلاً هناك نوع من ذكور السمك يُقال له (القمّام) أو (القشّاش) يعيش في شواطئ أستراليا الشرقية، ولا يزيد طوله عن عشرة سنتيمترات، الذكر من هذه الفصيلة له دائماً ما لا يقل عن عشر سمكات من الإناث هنّ بمثابة الزوجات، ولا يستطيع أي ذكر آخر الاقتراب منهن، فهو يغار عليهن ويدافع عنهن بشراسة، وإذا مات تتقمص أقوى السمكات الزوجات دور الذكر، وما هو إلاّ شهر واحد حتى تتحول هي إلى ذكر كامل الذكورة يستطيع الدفاع والتلقيح.

أما بالنسبة لأسماك (السيرانيدا)، فالذكر من هذه الفصيلة يبلغ طوله (2.75) متر، ووزنه 300 كيلوغرام. ويتقرر نوع الجنس على أساس السن والحجم، ففي صغرها تكون كلها من الإناث، ومع نموها وتقدمها في السن من خمسة إلى عشرة أعوام تتحول كلها إلى ذكور. وهناك سمك من فصيلة القاروس الرملي، وهو يتوالد في خليج المكسيك، إذا أرادت سمكتان أن تتلاقحا تطوي إحداهما جسدها على شكل حرف (S)، وتبسط زعانفها على مقربة من جارة لها، وتقوم بدور الذكر الذي يقذف سائله؛ فيما تقوم الأخرى بدور الأنثى التي تقذف بيضاتها.. وبعد ذلك تتبادلان الأدوار وتقومان بنفس العملية، ولكن الذكر يتحول إلى أنثى وتتحول الأنثى إلى ذكر (ومفيش حد أحسن من حد).

أما سمك (المولي) الذي يعيش في نهر الأمازون (فحكايته حكاية)، فكله من الإناث فقط لا غير. ولو سألتموني: إذن كيف تتناسل تلك الإناث من دون ذكور؟! سوف أجيبكم لينالكم العجب والإعجاب معاً، فتلك الإناث يا سادتي أعطاهن الله من الحِكمة ورجاحة العقل أنهن يتصيدن أيَّ ذكر ضعيف ومطرود من الذكور الأخرى لأنواع مختلفة، فيعتقلنه ويستعبدنه ويرغمنه على معاشرتهن وتلقيح بيضهن (بغير الحُسنى)، إلى درجة الإنهاك. وعندما تنتهي صلاحيته يطردنه غير مأسوف عليه. وأغلب هؤلاء الذكور يموتون في ما بعد (يا حبّة عيني) من شدّة الهزال، والويل كل الويل لأيِّ ذكر من أي فصيلة يحاول الاقتراب من تلك (القبيلة) الأنثوية في غير وقت التزاوج الذي يرغبنه؛ عندها يتحولن إلى جيش كاسح خطر يمزق ويفتك بأي ذكر يريد أن يجرب مواهبه. وهذا النوع ذكرني بقصة خيالية قرأتها في صغري عن جزيرة في المحيط؛ كل سكانها من النساء الفائقات الجمال، ولا يدخل هذه الجزيرة أي رجل إلاّ ويُقضى عليه قتلاً بعد التفنن بتعذيبه، وكنت أتخيل تلك الجزيرة في سريري قبل أن أنام فيصيبني الرعب وتقضّ مضجعي الأحلام.

أما أروع الكائنات البحرية فهو نوع من الروبيان، أو القريدس، أو الجنبري، فهي تقطن في الأغوار العميقة قبالة ساحل اليابان، يعيش الزوجان منهما طوال حياتهما معاً، وعندما يكبران ويدنو أجلهما يحشران نفسيهما داخل نوع من الإسفنج يتغذيان وسطه إلى أن يموتا معاً داخل ذلك القفص الزجاجي.

وهذا النوع من الإسفنج يقدم هدية عرسٍ في اليابان للمتزوجين حديثاً، وهو يرمز إلى تمنِّي حياة طويلة لا انفصامَ فيها حتى الموت.

واسم تلك الإسفنجة (سلّة أزهار فينوس).

وأنصح كل عروسين بالبحث عنها، والدخول فيها، وعدم الخروج منها إلاّ بإذني أو على نقالة.

[email protected]