لماذا عبور الحدود الخطأ

TT

عندما كانت تركيا تدخل الى شمال العراق لمطاردة حزب العمال الكردستاني قبل الاحتلال الأميركي، كنت أكتب ضد ذلك. فالعراق دولة ذات سيادة ولو كان النظام الداخلي مهترئا. والاهتراء الداخلي لا يمكن أن يشكل دعوة مفتوحة للعدوان الخارجي.

هل العراق اليوم دولة مستقلة وذات سيادة؟ إنه دولة محتلة وفاقد السيادة، أحيانا كليا، من جميع الجهات. وهذه سابقة. والسابقة الأخرى أننا أمام وضعين: إما أن نسمح لجماعة صغيرة، مهما اختلفت دعاواها، أو حقت، بعبور الحدود لتدمير استقلال ووحدة وسيادة واستقرار دولة كبرى، وإما أن نسمح لدولة كبرى بعبور الحدود لمقاتلة جماعة مقاتلة تعلن منذ عقود أن هدفها هو ضرب استقلال ووحدة وسيادة واستقرار تركيا.

ولا مجال هنا، حتى لخبراء الفذلكة، أن يغطوا بأية بطانية أو شرشف، أو رماد في العيون، الواقع القائم على الحدود التركية ـ العراقية إما أن تتبنى الدولة الكردية شبه القائمة إلا من بضعة اعترافات رسمية، ضبط الحدود مع دولة تعتبر نفسها مهددة بالعمل العسكري الكردي، وإما ألا تفاجأ باستخدام القوة التركية في الدفاع عن النفس.

نحن أمام ظاهرة جديدة في صراعات العالم: تقوم الجماعة الضعيفة باجتياح حدود الدولة القوية، في ظل شعارات قومية وإنسانية لا ترد. والذي حدث في تركيا حدث عمل مشابه تماما له في رفح. إذ بدل أن تجتاح «حماس» المسافات والحواجز في اتجاه إسرائيل، اجتاحتها في اتجاه مصر، مع أن الدولة التي تحاصرها وتحاربها وتنكل في شعبها ليست مصر، على ما نعرف. لكن «حماس» اختارت أن تحرج مصر وأن تضعها أمام خيار مستحيل: إما أن تقبل بهدم حدودها وسيادتها وتعريض استقرارها، لأسباب «أخوية وإنسانية»، وإما أن ترفض وتبدو وكأنها شريكة لإسرائيل في الحصار ولا تأخذ الدوافع الإنسانية بعين الاعتبار.

لم تتصرف «حماس» كحكومة أو مؤسسة شرعية وهيئة قانونية منتخبة، تعرف معاني ومفاهيم القوانين الدولية وحسن الجوار وأصول الإخاء. بل هي استخدمت عبر «الفرقة الخاصة» (الظاهرة العربية بامتياز) أقصى العنف والشدة في ضرب خصومها من «فتح»، ولم تستخدم الحد الأدنى من الرغبة في تنظيم عبور الحدود، أو بالأحرى اجتياحها.

قالت مصر ردا على ما حدث إنه ما من دولة قدمت لفلسطين ما قدمته. وهذا صحيح، لكن حقوق فلسطين على العالم العربي لا ينتهي مفعولها أو زمنها. إنما أيضا لا تطلب هذه الحقوق بتعريض استقرار مصر وإحراج نظامها وإعطاء العالم الصورة بأن مصر هي المسؤولة عن مآسي غزة. يجب البحث عن المسؤولية في أمكنة أخرى.