خليجي ويمني: حديث المؤتمر!

TT

فندق هيلتون هافانا أسموه هافانا ليبري ـ أي هافانا الحرة. وكانت الوفود العربية في مؤتمر القارات الثلاث تضم واحداً من دول الخليج هو (أ.ف) وواحداً من اليمن. أما الخليجي فكان يعمل في المخابرات الروسية وكانت مهمته أن يبعث بمنشورات إلى التجمعات العمالية. ولذلك كان يلقى عظيم الاحترام. كنا نركب الأتوبيس أما هو بسيارة لها ستائر حتى لا يراه أحد كزعماء الحزب الشيوعي. وكان هذا العضو اليمني المعارض مشكلة يومية. فقد توقفنا في موسكو في طريقنا إلى كوبا وكنا في شهر رمضان. فكنا نظل جالسين إلى مائدة هزيلة عليها عصير البرتقال وأكواب أخرى (؟!).. ونظل جالسين لا نمد أيدينا إلى الطعام حتى يؤذن المغرب في القاهرة وحتى يفرغ الرفيق خالد محيي الدين من الصلاة (؟!).

وكان الزميل اليمني له مساعد أستاذ الجيولوجيا في جامعة موسكو. وهو البروفيسور جريجوري. وكان اليمني حريصاً على إذلاله وإحراجنا يومياً فهو ينادي البروفيسور جريجوري قائلا: اذهب وهات الشنطة واستخرج منها منديلا. وكان الرجل يفعل في غاية الأدب. أما الزميل الخليجي (أ.ف) فهو لا يعرف أية لغة أجنبية ولكن كان يقف إلى جواره ثلاثة من المساعدين الروس كلهم يتكلمون العربية. ولا يطلب إليهم أن يجلسوا أو يشاركوه في الإفطار أو العشاء..

وفي ليلة استدرجت الأخوين الخليجي واليمني إلى الخروج ـ وكانت درجة الحرارة في موسكو خمسة تحت الصفر. أما الهدف فهو أن ننطلق على حريتنا. وظهر الذهول على وجه المرافقين. وانطلقت السيارة يمينا وشمالا فالشوارع طويلة عريضة مغطاة بالجليد.. ومضت الدقائق بالعشرات ولم نر أي شيء. وتساءل المرافقون إن كنا قد سعدنا بهذه الجولات في الظلام الجليدي.. ودخلنا الفندق في درجة حرارة 20 مئوية. وفهمنا أن الحرية لا معنى لها في روسيا فقد خرجنا بحريتنا وسرنا في الشوارع بحريتنا وعدنا بخيبتنا. فلا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً دون إذن أو تصريح..

ولم استطع أن أنقل إلى المرافقين الشتائم والاستنكار وملعون أبو الاتحاد السوفيتي والشعوب الاشتراكية والحرية الكاذبة والسماء السوداء والأرض البيضاء!