الشبح

TT

خمسة وعشرون عاماً من الاختفاء المتقن تحول فيها إلى أسطورة تنطوي على الكثير من الأسرار.

لم يكن ذكر اسمه يرتبط بصورة أو بصوت معروف..

حتى ملامحه غابت عن مخيلة كثيرين والصورة اليتيمة له لم تكن موثقة ولم تش بالكثير عن هويته.

قوة عماد مغنية كانت في غيابه، هذا ما كشفه اغتياله.

خلّف الخبر العاجل الذي بثه مقدمو تلفزيون «المنار» التابع لحزب الله الأربعاء قبل الماضي دوياً لا تزال أصداؤه تتردد في لبنان والعالم ويعكف محللون كثر على فك الألغاز الكثيرة المحيطة به.

لم يكن الخبر عائداً لاغتيال مسؤول عادي في حزب الله، بل كان إعلان سقوط أهم شخصية أمنية لدى الحزب وهو من أطلقت عليه تسميات «الشبح» أو «الثعلب» واليوم بتنا نعرف أن لقبه «الحج رضوان».

لشدة قوة الخبر بدا عصياً على التصديق بداية وما كان الجهد الذي بذله مقدم نشرة الأخبار في تلفزيون حزب الله لتلاوة مقدمة النشرة على نحو دراماتيكي إلا دليلا على مكانة الرجل ودوره، فلم يسبق أن تعامل إعلام حزب الله مع اغتيال قيادي لديه بهذا الكم من التبجيل والتأثر.

غالباً ما كانت الروايات المنسوجة والتي تتردد عن عماد مغنية توحي بمسؤوليته عن كثير من العمليات الأمنية المعقدة في العالم. ظن البعض أن مغنية ليس سوى شخصية خيالية أو أن هناك غموضاً ومبالغات نسجت حوله، لكن ما ظهر من الإعلام، خصوصاً إعلام حزب الله أو الإعلام المقرّب منه بعد اغتياله أظهر كم أن موقع الرجل يفوق بكثير ما نسج حوله خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية والتي كان فيها يتنقل ما بين لبنان وسورية وإيران من دون أن يتسرب عنه خبر قبل أن نفاجأ بخبر اغتياله في دمشق قبل اسبوعين.

جهدت وسائل الإعلام لنبش صورة له أو مقابلة أو معلومة وحاولت استصراح من يفترض أنهم يعرفونه لكن تبينت ندرتهم. بدا أن معظم المعلومات عن نشاطات مغنية من عمليات أمنية هي من مواقع الكترونية استخباراتية غربية واسرائيلية. ولدى سؤال أي صحافي عن السبب في انعدام التقارير الإعلامية اللبنانية حوله يُردّ السؤال إلى خطورة طرح مثل هذا الأمر واستحالة إتمامه.

اللافت هو أن الساعات والأيام التي أعقبت الاغتيال أظهرت أن حزب الله الذي اختصرت صورته خلال الأعوام الماضية في أمينه العام حسن نصر الله هو في الحقيقة أعقد من ذلك وأخطر.

أظهر اغتيال مغنية أن حزب الله هو أكثر من نصر الله وأن هناك رجلاً فعلياً اسمه عماد مغنية له اليد الطولى في مفاصل عسكرية وسياسية مهمة.

لم يكن هذا الرجل متوارياً على نحو ما هو متوار أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. صحيح أن الأخيرين تصدر لهما مقابلات وخطب ولكن الواضح أن مغنية فاقهما دهاء فلم يشكل الإعلام إغراء له وهو فعلا فضل الظلّ على أضواء الكاميرات.

الأرجح أن هذا الأمر ساعده كثيراً في البقاء خمسة وعشرين عاماً في مأمن من الاستهداف.

الآن اغتيل عماد مغنية. فهل يتمكن الإعلام الذي لم يبلغه في حياته أن يكشف لغز اغتياله.

diana@ asharqalawsat.com