لماذا اعترفنا باستقلال كوسوفو؟

TT

الأمن والتعايش والرخاء: هذه هي المبادئ التي دأبت المملكة المتحدة على العمل من أجل تحقيقها في غرب البلقان خلال العقد الماضي، منذ أن لعبنا دورا مهما في الحملة العسكرية التي شنها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتفادي وقوع كارثة إنسانية في كوسوفو عام 1999. ومنذ ذلك الحين تمركزت القوات البريطانية في كوسوفو كجزء من قوات الناتو.

ومع انتهاء القتال، طالب قرار مجلس الأمن رقم 1244 بالشروع بعملية سياسية لتحديد الوضع النهائي لكوسوفو. ولدى توصلها خلال عام 2005 إلى أن الوضع الراهن كما هو لا يمكن أن يستمر، شرعت الأمم المتحدة بعملية بحث الوضع النهائي، حيث كان ذلك مبدئيا عبر جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، أهتيساري، وفي ما بعد عبر الترويكا المؤلفة من الاتحاد الأوروبي/الولايات المتحدة/روسيا. وقد تطرقت هذه المحادثات إلى كل الاحتمالات الممكنة لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل كوسوفو يكون مقبولا لكل من بلغراد وبريشتينا. بغياب مثل هذا الاتفاق لم يكن باستطاعتنا ترك وضع كوسوفو دون حل. فقد كان ذلك سيؤدي بكوسوفو إلى حالة من عدم اليقين تعرقل التنمية الاقتصادية والسياسية فيها، وتعرض استقرار المنطقة للخطر. وبالتالي مع عدم وجود احتمال واقعي للتوصل لاتفاق، رأت المملكة المتحدة بأن اقتراح الممثل الخاص للأمم المتحدة كان أفضل سبيل للخروج من هذا الوضع. وقد أعربت كوسوفو في إعلان استقلالها في 17 فبراير (شباط) عن احترامها التام للالتزامات التي يمليها هذا الاقتراح. وقررت المملكة المتحدة الاعتراف باستقلال كوسوفو لأجل توفير مستقبل أكثر استقرارا للمنطقة. وقد أسسنا علاقات دبلوماسية مع كوسوفو، ولدى المملكة المتحدة الآن سفير في بريشتينا. عادة ما يسألني البعض عن سبب اختلاف قضية كوسوفو عن غيرها من الأوضاع التي لم يتم التوصل لحل لها. وأبسط جواب عن هذا السؤال هو أن انقسام يوغوسلافيا الذي أعقب أعمال عنف والأزمة الإنسانية التي عجّلت وقوع أحداث عام 1999، وما أعقب ذلك من فترة مطولة من الإدارة الدولية، كلها ظروف أدت مجتمعة لأن تكون قضية كوسوفو قضية فريدة. وقد وضع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1244 عملية مميزة ومحددة لتحديد وضع كوسوفو لا تنطبق على أي مكان آخر في العالم. وبالتالي فإن تسوية الوضع في كوسوفو لا تشكل سابقة لتسوية خلافات أخرى في العالم. وقد أوضحنا ذلك بشكل جلي نحن وشركاؤنا في الاتحاد الأوروبي عندما أعلنا ردنا على إعلان استقلال كوسوفو. كما كنا واضحين دائما مع السلطات في كوسوفو بأن مقترح الممثل الخاص للأمم المتحدة يتطلب منها احترام وحماية حقوق جميع الأقليات في كوسوفو، بما في ذلك الأقليات الصربية؛ وأنا أرحب بالتزام حكومة كوسوفو بهذا الهدف. وسوف نقدم نحن وشركاؤنا في المجتمع الدولي لحكومة كوسوفو كل المساعدة الممكنة لمساعدتها في بناء بلد مستقر وديموقراطي ومتعدد الأصول العرقية.

كما سيرسل الاتحاد الأوروبي أكبر بعثة يشكلها على الإطلاق لضبط الأمن والحفاظ على سيادة القانون، وتقديم الإرشاد والنصح ومراقبة النظام القضائي الوليد في كوسوفو. وتضم هذه البعثة 70 من القوات البريطانية. وأيضا سوف يشرف ممثل دولي مدني، وهو كذلك ممثل عن الاتحاد الأوروبي، في توفير المساعدة لحكومة كوسوفو يعاونه في ذلك عدد من الموظفين البريطانيين. وسوف تستمر قوات حلف الناتو، والتي تتضمن 140 جنديا بريطانيا، بتوفير الأمن لجميع مواطني كوسوفو. وقد خصصت المملكة المتحدة 23 مليون جنيه استرليني (44 مليون دولار/34 مليون يورو) من المساعدات طوال السنوات الثلاث القادمة لأجل تعزيز التنمية الاقتصادية في كوسوفو.

لا أقلل هنا من شأن التحديات الكامنة مستقبلا. يتعين على قادة كوسوفو أن يحكموا بكل رجاحة عقل، وسوف يحتاجون لدعم دولي طوال سنوات عديدة. كما أنني أتفهم مدى عمق المشاعر لدى الشعب الصربي حيال ما جرى. بالنسبة لنا فإن الأمر كان ينطوي دائما على تحقيق الاستقرار في المنطقة، ولم يكن يهدف إلى معاقبة صربيا البتة. وإنني أفتخر بالدور الذي لعبته المملكة المتحدة في إتاحة الفرصة لجميع دول غرب البلقان ـ بما فيها صربيا ـ لطي صفحة الأيام المظلمة والتطلع نحو مستقبل أكثر إشراقا. وتؤمن المملكة المتحدة بشدة بأن باستطاعة صربيا وكوسوفو يوما ما أن تصبحا دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهما منظمتان أبدتا نجاحا كبيرا في تعزيز أمننا ورخائنا طوال نصف القرن الماضي.

* وزير الدولة بالخارجية البريطانية المسؤول

عن الشؤون الأوروبية

* يكتب لـ«الشرق الأوسط»