لماذا لا نعترف باستقلال كوسوفو؟

TT

النظام الدولي الذي جلب رخاء غير مسبوق للعالم منذ عام 1945 يقوم على اساس قواعد تطبق بدون استثناء. من المفترض ان يحمي هذا النظام المصالح الوطنية الشرعية والأساسية لأي دولة بصرف النظر عما اذا كانت فقيرة او غنية. المبادئ الملزمة لهذا النظام تتضمن المساواة في السيادة بين الدول واحترام وحدة اراضيها وعدم انتهاك حدودها المعترف بها.

لكن اقليم كوسوفو الصربي، الذي ظل تحت إدارة الامم المتحدة منذ عام 1999، أعلن في 17 فبراير (شباط) الجاري استقلاله عن صربيا. هذه الخطوة غير القانونية وجدت اعترافا، للأسف من ادارة بوش ودول اوروبية من ضمنها بريطانيا وفرنسا وألمانيا. ثمة دول اخرى في اوروبا ـ بما في ذلك اليونان ورومانيا وإسبانيا ـ لم تعلن اعترافها، فضلا عن اتخاذ نفس الموقف من جانب دول لها أهميتها الاقليمية مثل البرازيل والصين ومصر والهند وإسرائيل وروسيا وجنوب افريقيا.

طبقا للواقع الراهن، فإن عدد الدول التي ستعترف باستقلال كوسوفو سيصل الى حوالي 40 دولة، الأمر الذي يعني ان غالبية الدول الأعضاء الـ200 في الامم المتحدة لن تعترف بكوسوفو، بما في ذلك جمهورية صربيا بالطبع.

في بلغراد شارك ما يقارب نصف مليون شخص في مظاهرة سلمية الاسبوع الماضي لإدانة هذا الانفصال غير القانوني. ولكن للأسف هاجم بعض المشاغبين عدة سفارات، بما في ذلك سفارة الولايات المتحدة ونهبوا بعض المتاجر، بل هاجموا وزارة الخارجية الصربية.

معارضة الاعتراف تنطلق من أن قرار مجلس الأمن لعام 1999 لا يؤكد فحسب سيادة صربيا على كوسوفو وإنما قام ايضا على أساس ان النظام الدولي اصبح يعاني من قدر أكبر من عدم الاستقرار ولم يعد من الممكن التنبؤ بنتيجة هذا العمل العدائي من جانب ألبان كوسوفو.

يمكن تلخيص السبب في ذلك في ان الاعتراف من جانب واحد بإعلان كوسوفو للاستقلال عن صربيا يضفي شرعية على منهج فرض القرارات على النزاعات العرقية. ويضفي هذا المنهج بدوره شرعية على انفصال الكيانات الاقليمية من جانب واحد، وهذا يجعل الحق في تقرير المصير حقا معترفا به في الاستقلال. يضاف الى ذلك ان هذا التوجه يضفي الشرعية ايضا على فرض الانفصال عن الدول ذات السيادة والمعترف بها دوليا. هذا النهج بصورة عامة يعتبر انتهاكا للالتزام بمبدأ الحل السلمي للنزاعات في اوروبا، ويشجع المجموعات الدينية او العرقية التي تشعر بمظالم تجاه عواصمها على تحقيق أهدافها، كما انه يعيد مرة اخرى نهج السيادة المحدودة الذي كان سائدا خلال حقبة الحرب الباردة.

هذا ظلم تاريخي لحق دولة اوروبية تجاوزت الكثير من العقبات منذ إطاحة سلوبودان ميلوشيفيتش ديمقراطيا في اكتوبر (تشرين الأول) 2000. الاعتراف بكوسوفو لا يعني سوى معاقبة الديمقراطية الصربية بعد الفشل في معاقبة الحاكم المستبد الذي ارتكب أعمالا شنيعة بحق ألبان كوسوفو في عقد التسعينات. هذا الثأر الذي ضل طريقه ربما يجعل البعض يشعر بالارتياح، لكنه سيترك أثرا سيئا على النظام الدولي.

الأمر المؤكد هو ان ثمة حاجة الى بناء الثقة والتأكيد مجددا على القيم. كما ان الطريق الى الأمام يكمن في التوصل الى حل قائم على التفاوض والتوصل الى تسوية بشأن وضع كوسوفو مستقبلا على نحو يعالج الحق المشروع في توسيع الحكم الذاتي لألبان كوسوفو واحترام سيادة وديمقراطية صربيا.

* وزير خارجية صربيا

ـ خدمة «نيويورك تايمز»