تداعيات اغتيال مغنية: حزب الله وإسرائيل.. طبيعة الرد

TT

بعد حرب تمّوز مباشرة، اعلن السيّد حسن نصر الله ان المقاومة قد استوعبت دروس الحرب، وأدخلتها في منظومتها، وهي جاهزة لصدّ أي عدوان. وصرح انه لدى المقاومة ما يفوق العشرين ألف صاروخ.

وبعد تصاعد لهجة الخطاب الاسرائيلي، أكّد نصر الله انه لدى المقاومة مفاجآت كثيرة في جعبتها، قد تستعملها في حال حصول عدوان على لبنان.

استلزم الأمر إسرائيل اكثر من سنة لتحليل سبب فشل حربها عبر لجنة فينوغراد. وسوف يستلزم إدخال التعديلات المطلوبة في منظومتها وعقيدتها القتاليّة وقتا طويلا. لكن لماذا هذا الفارق في الوقت لجهّة استيعاب الدروس من الحرب الاخيرة؟ باختصار، فقط لان إسرائيل أمّة ـ دولة، حيث العمل البيروقراطي التقليدي المُضني. اما حزب الله فهو لاعب من خارج إطار الدولة ولديه المرونة القصوى.

عندما هدّد نصر الله إسرائيل بالمفاجآت، إنما كان قصده ذلك الوقت البُعد العسكري ـ الحربيّ، خاصة ان الحرب الاستخباراتيّة، بين الاثنين من اغتيالات وغيرها، هي اصلا موضوع مستمرّ ومفتوح، والتاريخ يشهد لذلك.

لكن إسرائيل ردّت استخباراتيّا عبر اغتيال عماد مغنيّة مع أنها لم تتبنّ حتى الآن عملية الاغتيال.

وقد حضر وزير خارجيّة ايران منوشهر مُتّقي حفل تأبين عماد مغنيّة، الامر الذي يدلّ على اهميّة الشخص لدى إيران.

اغتيل مغنيّة في دمشق، بعد خروجه مباشرة من اجتماع أمنيّ وفي مركز أمنيّ، كان يحضره مسؤولون سوريون امنيون، ومسؤولون من حزب الله وحركة حماس.

إن ذكر الحاضرين فقط في الاجتماع في دمشق، إنما هو دلالة اخرى على اهميّة الشخص العسكريّة والأمنية. وهو يبدو، اي مغنيّة، وكأنه مركز ثقل الصراع العسكري والأمني بين المحورين المتقاتلين في المنطقة: المحور الاميركي - الاسرائيلي، مقابل محور دول المقاومة كما تُسمّى. فلماذا كان هذا الاجتماع؟ وماذا كان يُخطّط؟ ولأيّة ساحة كان المشروع يُعدّ؟ الساحة اللبنانيّة ام قطاع غزّة استباقا او تحضيرا لصدّ عدوان اسرائيلي مُحتمل عليه؟ في أي حال، اغتالت إسرائيل مغنيّة، لما كان له من ادوار سابقة، كهدف أوّل، ولما يمكن ان يلعب من ادوار مستقبلية كهدف ثانٍ. لكن الاكيد، ان الضربة موجعة، ومؤلمة خاصة لحزب الله.

ويعتبر نجاح عمليّة الاغتيال خرقا امنيّا ـ استخباراتيّا فاضحا للاجهزة الامنيّة التابعة لكلّ من سورية وحماس وإيران وحزب الله. وبما انه اغتيل على الارض السوريّة، فإن المسؤوليّة المعنويّة الكبرى سوف تكون على سورية.

وفي حال الخرق الامنيّ الفاضح، تعمد الدول المعنيّة او المنظّمات إلى إجراء مسح امنيّ شامل لمعرفة سبب الفشل. وبالتالي إعادة التنظيم على أسس جديدة أكثر مصداقيّة وثقة. فتطير رؤوس امنيّة من مراكزها، لتحلّ محلّها رؤوس جديدة. لكن إجراء المسح الامنيّ الشامل هو في سورية شيء، وفي حماس شيء، وفي حزب الله شيء، وفي ايران أشياء اخرى.

بعد المسح الأمني، لا تكون الاجهزة الامنيّة جاهزة فورا للعمل كما كانت في السابق. فالامر يتطلّب وقتا للجُدد كي تسير الامور كما هو مطلوب.

إذاً، قبل ردّ الحزب على الاغتيال، من المنطقي ان يمرّ الحزب وغيره بمرحلة إعادة ترتيب البيت، حتى ولو كان الحزب قد خطّط لحالة كهذه مسبقا. فالتخطيط على الورق شيء، والتنفيذ على ارض الواقع شيء آخر. في كلمة تأبينه لمغنيّة، حدّد نصر الله أطر الردّ المستقبلي من ضمن نقطتين مهمتين هما:

إن اغتيال مغنيّة انما هو حافز للحزب كما الاغتيالات السابقة. وإن مسار الاستشهاد إنما هو المسار الطبيعي لأن مغنية أنجز كلّ ما هو معنيّ به، كما تبع عمليّة الاغتيال تعيين بديل له مباشرة. وكذلك يُشكّل الاغتيال بداية نهاية إسرائيل، وذلك حسب مقولة ديفيد بن غوريون عن ان إسرائيل تسقط فقط عندما تخسر أوّل حرب (تمّوز 2006).

حدّد نصر الله في كلمته ايضا ساحة الصراع المستقبليّة، إنها باختصار كلّ العالم، إنها الحرب المفتوحة، خاصة ان مغنيّة استهدف في دمشق خارج لبنان. هذا مع التذكير ان اغتيال الامين العام للحزب عبّاس الموسوي كان قد حصل في جنوب لبنان، لكن ردّ الحزب أتى في الارجنتين. إذاً هناك إعلان لحرب مقبلة، منها ما هو سرّي استخباراتي، ومنها ما هو عسكريّ مباشر، خاصة ان نصر الله ركّز على انه لا وقف للنار في الجنوب حتى الآن، الامر الذي يعيد إدخال الجنوب اللبناني في الحرب المفتوحة.

ومن الطبيعي ان يكون الردّ وقيمة الهدف المُتخيّل لدى حزب الله، موازيان في الاهميّة لقيمة مغنيّة، وأكثر. أي يجب ان يكون الردّ رسالة واضحة لإسرائيل عن ان حزب الله هو الفاعل، لكن دون اثباتات تدينه بحيث تفهم إسرائيل ضمنا الرسالة.

ولن يكون الردّ فوريّا، وذلك وفق المقولة التي تقول: «إن الانتقام هو طبق من المُفضّل ان يُقدّم باردا». لذلك سيأخذ حزب الله وقته لترتيب البيت ومن ثمّ التخطيط بعقل بارد وسريّة عالية كما تعودّنا.

سوف يُشكّل حزب الله لهذه الغاية تركيبة تنظيم جديد معيّن وموثوق به لاختيار الاهداف والتحضير العملاني ومن ثم التنفيذ. هنا يبقى السؤال، هل سيُشرك حماس او غيرها معه؟ يتعلّق هذا الامر بمدى الثقة بعد اغتيال مغنيّة، او بساحة التنفيذ. فإذا كان الهدف داخل إسرائيل، فمن الطبيعي ان تقدّم حماس معلومات تكتيكية في هذا المجال.

والأكيد أن الردّ لن يكون مباشرا من جنوب لبنان، لأن قلب الاوضاع في الجنوب بعد القرار 1701 يتطلّب وقتا طويلا، كما يُثير العالم ضدّ الحزب. ولكن يجب عدم استبعاد هذا الخيار خاصة أن نصر الله شدّد في كلمة التأبين على ان الجنوب هو في حالة وقف للعمليات العسكريّة وليس هناك وقف للنار. كذلك، لا يمكن للحزب أخذ لبنان بشكل عام إلى حرب ثانية ولم يمرّ على الاولى إلا سنة وبضعة أشهر. كما لا يمكن للحزب ان يأخذ الشيعة إلى حرب مدمّرة ثانية، خصوصا ان إسرائيل تعمّدت في الحرب الاخيرة تدمير القرى الشيعيّة. مع التذكير بان إسرائيل – وحسب تقرير فينوغراد – تريد فعلا سببا لحرب ثانية في الجنوب، لتستعيد صورتها الردعيّة، ومن الطبيعي ألا يعطيها حزب الله الذريعة. وقد يكون تهديد نصرالله في ما خصّ الجنوب رسالة لاسرائيل على ان الحزب جاهز هناك.

قد يردّ الحزب داخل إسرائيل، وهنا يأتي دور حماس التكتيكي العملانيّ. وعندما نقول داخل إسرائيل، فإنما نقصد الضفّة الغربيّة، كما إسرائيل الفعليّة، خاصة انه لا يوجد في غزّة اهداف إسرائيليّة ذات قيمة عالية، ولكن قد تكون غزّة معبرا وممرا للعمليّة. وهنا يجب التذكير بان الهدف يجب ان يكون مهماّ لإسرائيل، كأهمية عماد مغنيّة لحزب الله وحتى أكثر، ومن هنا قد يكون الهدف شخصا او منشأة ذات اهميّة استراتيجيّة. بعد جنوب لبنان، والأراضي المحتلّة، هناك آلاف الاهداف الاسرائيليّة المهمّة في العالم وخصوصا في اميركا. وتنبع قدرة حزب الله العملانيّة والأمنية، في ان له امتدادا شيعيا عالميّا ومؤيّد له في الوقت نفسه. وإلا فما معنى قدرته العالية على التجسس في اميركا على الاف.بي.آي، كما تنبئنا قصة ندى نديم بروتي في ديسمبر (كانون الأول) 2007؟

في الختام، لا بد من الاعتراف بان لحزب الله قدرات تفوق قدرات الدول ذات الاحجام المختلفة. كذلك، يجب الاعتراف بان ما أنجزه الحزب ضدّ إسرائيل هو امر غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي. كما ان خسارته لمغنيّة هي خسارة جسيمة، ولا بد من ردّ الضربة.

لكن الاكيد ان لبنان سيبقى القاعدة الاساسيّة للحزب ونقطة ارتكازه، فمنه وفيه صعد نجمه، وعلى ارضه ضحّى بدماء آلاف الشهداء. وفي جنوبه، ومن كلمات الامام المُغيّب موسى الصدر نبتت ثقافة المقاومة التي يعتزّ بها الحزب. من هنا ضرورة الحفاظ على عمليّة التوازن بين الاهداف.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي