أسبوع مغنية وأسبوع حزب الله

TT

لم يكن مستغربا أن يفتح الامين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله ، باب الاجتهاد واسعا لتفسير التهديدات التي وجهها لإسرائيل في خطاب التأبين الشهير للقائد العسكري للحزب عماد مغنية، في 14 فبراير (شباط) الحالي، عقب ما أثارته من قلق في نفوس اللبنانيين عامة، وصفوف المعارضة اللبنانية نفسها.

وكان مطمئنا ان يفسر للبنانيين أن ما قصده بـ«الحرب المفتوحة» لا يخرج عن مفهوم «حالة الحرب» القائمة مع إسرائيل منذ العام 1948، وأن يحمل الاسرائيليين مسؤولية هذه الحرب على اعتبار انهم «هم الذين فتحوا هذه الحرب على فلسطين وعلى أمتنا العربية والإسلامية وعلى لبنان».

ولكن اللافت في سياق ما بدا في خطابه الثاني في 22 شباط (ذكرى الاسبوع على اغتيال مغنية)، وكأنه «حركة تصحيحية» لخطاب 14 شباط ، أن يدرج السيد نصر الله تهديده السابق بإزالة اسرائيل من الوجود في سياق «نتيجة حتمية هو قانون تاريخي وإرادة إلهية لا مفر منها» وأن يعرب عن اعتقاده الشخصي بان «هذا المسار سيصل الى نهايته خلال سنوات قليلة».

على هذا الصعيد نلتقي مائة بالمائة مع السيد حسن نصر الله. ولكن إذا كانت هذه هي قناعة سيد المقاومة المسلحة... فلماذا إذن استمرار المقاومة المسلحة، وتحديدا في لبنان ؟

لماذا لا ننتظر «سنوات قليلة» ليصل مسار زوال إسرائيل الى نهايته، كما يتوقع السيد والعديدون ممن يعتبرون اسرائيل جسما دخيلا على المنطقة يصعب ان يحيا خارج بيئته، ونعفي اللبنانيين من التبعات الداخلية لقضية باتت، على شرعيتها، عامل انقسام حاد على «الساحة اللبنانية» (التورية الدارجة في أدبيات حزب الله عند الاشارة الى الكيان اللبناني) ويتيح بالتالي توسيع إطار المشاركة اللبنانية في اسقاط الكيان الصهيوني الغاصب.

هذا لا يعني التقليل من دور المقاومة ـ الاسلامية والوطنية من قبلها ـ في تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي، ولا من ضخامة التضحيات التي بذلتها... بل التساؤل عما إذا كانت المقاومة المسلحة قد تحولت، بعد الانسحاب الاسرائيلي، من وسيلة الى غاية.

مع ذلك يبقى السؤال الاكثر الحاحا: ما هي العوامل، وربما الضغوط، التي حملت الامين العام لحزب الله ـ الحريص منذ حرب صيف العام 2006 على ان تبقى كل وعوده «صادقة» ـ على تخفيف لهجة تهديداته السابقة الى حد التراجع عن بعضها؟

ربما كان تقليله للابعاد العسكرية لتهديدات خطابه الاول يعود الى «نصيحة» خارجية .

ولأن لهجة خطاب التهديد الاول أقرب الى لهجة الرئيس أحمدي نجاد في مخاطبة اسرائيل، يصح الترجيح، (إذا كان ثمة نصيحة في هذا المجال)، ان تكون هذه النصيحة سورية لا إيرانية، على اعتبار ان الخطاب السوري الخارجي يتجنب الحديث عن «إزالة» اسرائيل ويركز حتى منذ ما قبل مؤتمر «أنابوليس» والوساطة التركية القائمة حتى الآن، على ان سورية لن تستعيد الجولان المحتل بالحرب بل بالوسائل الدبلوماسية.

وغير خاف ان أي نصيحة من هذا النوع يصعب على حزب الله تجاهلها في وقت تمسك فيه السلطات السورية بمجريات التحقيق في اغتيال عماد مغنية.

وربما تلقى الحزب أيضا نصيحة أخرى، داخلية هذه المرة، تلفته الى الأبعاد «الدولية» لتهديده بالحرب المفتوحة. فأي حرب من هذا النوع تعني خرق احكام القرار 1701 من جهة واحدة وقد تستتبع مواجهة عسكرية مع القوات الدولية (اليونيفيل) في حال تحول الجنوب اللبناني الى إحدى ساحاتها «المفتوحة».

ولكن، بصرف النظر عمّن نصح ومن انتصح، قد تكون العبرة الابرز من تبدل لهجة الامين العام لحزب الله في خطابين لا يفصل بينهما أكثر من اسبوع واحد، أن الحزب لا يأنف التأقلم مع الواقع إذا كانت معطيات المرحلة تفرض ذلك... الأمر الذي يسمح بالاعتقاد، ولو مع بعض التفاؤل، بأنه قد يقتنع يوما بان «الساحة اللبنانية» لا تتسع لدولتين.