رجال ريجيس دوبريه .. «الوحيد الواحد»

TT

كلما كتبت عن فيدل كاسترو كانت «تنتظرني» في «البريد» رسالتان: واحدة من برلين الشرقية، سابقا. وثانية من دمشق. صاحب الأولى كان يبدو يساريا واسع الثقافة، شديد الالتزام. لكنه مثل معظم اليساريين العرب كان يبدو أيضا ضيق الصدر. ولم يكن ينفي ما أكتب من إحصاءات ومعلومات، لأنها ليست من اختراعي ولا من مخيلتي، ومع ذلك كان يعتبر الأرقام والإحصاءات وجهة نظر شخصية وتحاملا، الآن وقد أعلن «الكوماندتي» (الوحيد الواحد) استقالته، سوف أترك الكلام لرفيقه وصديقه وداعيته ذات مرحلة، السيد ريجيس دوبريه: «أن تسمي القائد الأعلى، الرئيس، يعني أنك تهينه وتقلل من قدره. منذ أربعين عاما والزعيم الكوبي يرتدي الثياب المرقطة والجزمات وحزام سام براون، مربوطا إليه مسدس. ولم يخلع البزة في السنوات الأخيرة إلا في الزيارات الخارجية: بذلة داكنة تثبت للمضيف أن الضيف أكثر خبرة وأناقة بالمدنيات. لقد ولد متآمرا يبرع في فن أن يكون نقيضا. إنه أول من يتآمر على الفرق الحكومية التي يكون قد انتقى أعضاءها بنفسه. وبسرعة ينكر أي وزير تعرض للنقد أو فقد شعبيته. دائما يظهر أمام شعبه على أنه الدولة والمعارضة معا، منتقدا التقصير البيروقراطي.

حصد لائحة من الألقاب ما لم يعرفه ماو وستالين وفرانكو ودوفالييه (هايتي) لكن القائد الأعلى ظل دائما طاغيا على رئيس الحزب، رئيس الدولة، رئيس الحكومة ورئيس مئات المؤسسات الحكومية التي ترأسها فقط اسميا. لقد أصبح منزله في هافانا معسكرا حقيقيا، وقاعدة لـ«القوات الخاصة». البلد قلعته والدولة ميراثه، يديرها كما يدير مزارع مزرعته.

كان العظيم الذي لا يقهر، يجد الوقت للتجوال في الريف يوزع الصدقات على الفقراء من سيارته الجيب. عندما تجلس في المقعد الخلفي للجيب تدوس على الكلاشنيكوفات. وكان يفرشها أيضا تحت سريره، عندما ينام في منزل عشيقته الأهم، سيليا سانشيز. فمن يدري. يجب أن يكون الاستعداد دائما. لكن ذلك كان قبل الانتقال إلى القصر الذي يحرسه ألف رجل. ولم يكن هناك برنامج معروف. اجتماع نصف ساعة قد يمتد 16 ساعة وزيارة رسمية قد تختصر فجأة دون شرح. ولم يكن مضطرا لأن يفسر أي شيء. لا أحد يعرف لماذا كان يفضل بلغاريا على دول الكتلة الشيوعية جميعها. حتى الاتحاد السوفياتي كان يصفه بدولة عملاقة يحكمها أقزام.