المسرح السعودي

TT

منذ أن فشلت محاولات الأديب السعودي الرائد أحمد السباعي في إنشاء مسرح بمكة المكرمة في وقت مبكر من القرن الماضي، وكل أو جل المحاولات التي أتت بعده تكبلها العثرات، فالمسرح في السعودية لم يزل مقترنا ببعض المناسبات والأنشطة الاحتفالية، لكنه لم يكتسب حتى اللحظة صفة الديمومة والاستمرارية كمصدر من مصادر ثقافة المجتمع وعامل من أهم عوامل تشكيل وعيه، وإن كان الحديث هنا عن المسرح أكبر من المسرح ذاته، وأكثر هالة من واقع المحاولات المحدودة التي تحققت، فالعراقيل في وجه المسرح تكمن في عدم إدراك البعض لماهيته، وأهميته ودوره، وما تعتري صورته في بعض الأذهان من خلط وضبابية وجهل..

وقد عشت في مدينة جدة في فترة ماضية قريبا من مجموعة من الشباب الموهوب الذين حاولوا أن يثقبوا جدار الإحباط ليؤسسوا لحركة مسرحية حديثة، وكان يقود تلك المجموعة فنان شاب طموح هو عمر الجاسر، الذي باع في إحدى المناسبات سيارته التي يتنقل بها ليستفيد من قيمتها في الصرف على ديكور إحدى مسرحياته، واستطاعت هذه الفرقة بإمكاناتها المحدودة أن تلامس في حينها قضايا على درجة من الأهمية في مقدمتها الإرهاب، لكن الكثير من الحظوظ العواثر واجهت هذه الفرقة، فكانت تغلق في وجهها أبواب القاعات المسرحية حتى لجأت إلى أحد المقاهي على كورنيش جدة لتقدم عروضها لفترة قبل أن تلاحقها الضغوط لتشتت شملها، وتزوي بمشروعها الفني الرائد..

وحينما كانت تقدم فرقة عمر الجاسر عروضها اعتدت أن اصطحب الكثير من زوار مدينة جدة ومن شخصيات المدينة البارزة إلى تلك العروض المسرحية البسيطة تشجيعا ومؤازرة، فأجد من أولئك الضيوف الكثير من كلمات الاستحسان والمناصرة لتلك الفرقة الموهوبة التي تضطلع بدور تأسيسي لمسرح له سمة الاستمرارية والديمومة..

واستسلمت هذه الفرقة بعد عناد طويل لقهر الزمن، ولجأ أفرادها إلى الأعمال التلفزيونية الدرامية كبديل عن المسرح، وحينما التقيت قائد تلك المجموعة الفنان عمر الجاسر قبل أيام في إحدى المناسبات راح يروي لي بمرارة بأنه نادم على وأد حلمه، ونادم أكثر على التنكر لتجربته رغم خصوصيتها..

وفي رأيي لو أنصف الراصدون لحركة المسرح السعودي عمر الجاسر لكتبوا عنه: أنه الرجل صاحب المحاولة الأكثر جدية لتأسيس مسرح خاص، وأنه الرجل الأسبق في تشكيل مجموعة مسرحية أمدت الأعمال الدرامية بعد ذلك بنخبة من أبرز النجوم الذين أثروا الشاشة الفضية بعد ذلك، وأنه الرجل الذي مثل وكتب وأخرج وأعد عشرات النصوص المسرحية، فالرصد الحقيقي للريادة المسرحية لا يمكن أن يسقط تجربة مثل تجربة عمر الجاسر لها الكثير من الشواهد والشهود.

[email protected]