رجال ريجيس دوبريه: النزول من «أعلى السلم»

TT

صفحة بعد صفحة يقلب ريجيس دوبريه شخصية رفيقه وصديقه السابق. وسطرا بعد سطر نحن امام ديكتاتور مطلق يتساقط من حوله الرفاق والأصدقاء لمجرد هفوة صغيرة. يختفي رفيق قديم في عالم النسيان اذا اتصل بوزير يطلب منه مساعدته في تغيير سيارته «اللادا»، ثم يخطر له ان يدعم الطلب بالقول: «لقد كنت أمس مع الرفيق القائد»! تلك هي النهاية. لا يعود احد يجرؤ على ان يرد له التحية: كيف يمكن له ان يذكر انه كان مع القائد الأعلى.

لا ينادى القائد باسم «كاسترو» إلا من قبل الاعداء. المحبون ينادونه «فيدل». والقائد لا يضحك ولا يصغي الى النكات. انه اله اغريقي يغضب، لكن لا يضحك. ويشار اليه بين الناس بألقاب كثيرة: «الفوق»، «أعلى السلم»: «ان البقاء في موقع واحد والارتقاء فيه، يفسد الثوري. القدماء يتحولون الى طغاة أو قراصنة، بيروقراطيين أو مخالفين. او الى مزيج من ذلك. اذا لم يمت الثوري، اذا بقي عائما بعد تحول التيار، ينتهي بأن يصبح عرابا وتنتهي الثورة بأن تصبح مافيا. طالما تمنيت لسنوات طويلة، مثل كثير من مؤيديه، ان يستقيل فيدل، بل ان يُقتل في وغى ما. كثيرون من مناصريه لم يحبوا ان يروا كاسترو وقد شوَّه صورة فيدل وفرغها، مرحلة بعد مرحلة. الفيديليون تمنوا ان يروه يسقط مثل الملك السويدي غوستاف ادولف الذي قتل وهو يقود قواته عام 1632، او ان يرمي بنفسه على الاسلاك الشائكة التي تلف قاعدة غوانتانامو».

اعلن كاسترو تقاعده على الفراش الأخير، بعكس غيفارا الذي قتل في غابة الثورة، وهو بالنسبة للعالم ملصق جميل لشاب ملتح يعتمر القبعة الفرنسية.

ما الفائدة من بضع سنوات اضافية من الحكم؟ متعة التعيين والصرف والطرد؟ ان الانقسام الكبير لدى السياسيين هو بين النجاح في الفشل والفشل في النجاح. لم يحقق ديغول حلمه «بالمشاركة والاستقلال الوطني» ولم يحقق غيفارا «حرب التحرر الكوني» ولا حقق اليندي «الاشتراكية في الحرية»، لكنهم تركوا للناس حلما يذكرونهم به. الثائران، الكوبي، والارجنتيني، كانا صديقين متناقضين: الاول اراد تصنيع الثورة وتسخيرها لثروته، لشخصه، الثاني كان وظل حالما. وقد ازدهرت الشائعات عن علاقتهما كما ازدهرت عن ستالين وتروتسكي: «للصدفة انني كنت آخر مبعوث بين رفيقي السلاح. تحدث اليَّ فيدل عن تشي طوال ليلة كاملة. وكذلك فعل تشي. ولا يعرف احد سبب الافتراق بين الرجلين. لكنني اشهد انهما كانا يودان بعضهما بعضا، مع ان تشي كان رجل ثقافة وكتاب. اما فيدل فلم يكن رجل فكر ولم يكن يقرأ سوى كتب التاريخ، لأن هاجسه هو ما سيقوله التاريخ عنه».

الى اللقاء.