هل تستوعب إيران عمق الموقف العربي؟

TT

إن الأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، قد أنتجت ملامح جديدة وتضاريس مختلفة للعلاقات الجيوسياسية داخل المنطقة وخارجها. ولعل تغير ملامح العلاقات العربية الإيرانية، يعد الأكثر وضوحا وبروزا خصوصا أن المراقبين السياسيين لمسار تاريخ العلاقات الايرانية العربية، قد أجمعوا بدورهم على حدوث منعطف في الوقت الحالي، تؤكده حركة الاتصال الكثيفة بين النخبة السياسية الحاكمة في إيران وأغلب قادة العالم العربي والإسلامي. وهي حركة تعكس مبدئيا قبولا واستعدادا متبادلا للتعاون. ونعتقد أن الزيارات المتبادلة والرسائل المباشرة وغير المباشرة بين الطرف الايراني والآخر الخليجي والعربي الاسلامي عموما، تحمل في ظاهرها وفي باطنها دلالات ايجابية عديدة وتترجم وعيا بخطورة تواصل مظاهر القطيعة والتوتر والاحتكام الى ذهنية المؤامرة بينهما.

لذلك فإن أول الدلالات التي تبوح بها الملامح الجديدة للعلاقات الايرانية العربية، أن صفحة الحرب العراقية الايرانية (1980 ـ 1988)، قد طويت باعتبار أن الجميع يعلم أن تلك الحرب كانت في جوهرها تتجاوز الجانب العراقي، لأنها في عمق أهدافها قد مثلت حربا عربية إيرانية، بدليل التأييد الصامت والمحايد العربي باستثناء الموقف السوري والليبي.

إن الذوبان النسبي لجليد العلاقات العربية الايرانية، يسمح بتفنيد الصبغة المطلقة لما سمي بظاهرة العداء التاريخي الفارسي العربي. وفي نفس الوقت يفتح الباب على مصراعيه لعدة تساؤلات على رأسها: الى أي حد ستكون إيران قادرة على فهم عمق الموقف العربي إزاءها، ووضع رسائل الود العربية في سياقها وضمن حدودها الدلالية؟ نطرح هذه التساؤلات لأن الموقف العربي الخبير بالعقلية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، يحاول من خلال حركة اتصال أصبحت مكثفة أن يقوم بترويض الموقف الايراني، قصد استيعابه ومنع المنطقة من تصادمات جديدة، لا أحد قادر على تحملها أو تحمل تبعاتها. لذلك فإن الموقف السعودي والإماراتي وغيرهما، يعكس خوفا على إيران وليس منها. بالإضافة الى أن سيناريوهات الضرر الأمريكية الممكن تجسيدها، ستضرب إيران ومصالح الدول العربية والإسلامية المجاورة لها. وفي الحقيقة فإن الذي يزيد من أهمية موقف التقارب العربي الحالي من إيران، هو أن العقل المسير لهذا التقارب، يستند الى رؤية شاملة ومحكمة ومبنية على كافة الأبعاد والاعتبارات. فهي رؤية عملية براغماتية، تراعي مصلحة المنطقة وتحديدا تفكر في مصالحها ومصلحة جارها الإيراني. وأيضا تقوم هذه الرؤية على الاستقطاب والترويض والاستيعاب قصد الشذب المرحلي لحالة الهيجان الايرانية.

من جهة أخرى، اتسمت الرؤية العربية في سياسة التقارب وإظهار الاستعداد للتعاون على واقعية مخلصة في قراءة البعد الديني والجغرافي والتاريخي، أي أنه تم الامتثال الايجابي والعقلاني لحقيقة أن إيران بلد جار ومسلم ويترأس الآن المؤتمر الاسلامي، وأنه بالإضافة الى كل هذه الاعتبارات المهمة، تتوفر فيه خصائص الدولة الاقليمية جغرافيا وعلميا وثقافيا وتعداديا، الشيء الذي حقق لها مكانة جيوستراتيجية وقوة لافتة. من هذا المنطلق، فإن الملامح الجديدة للعلاقات العربية الايرانية، تفهم في إطار القراءة العربية لأحداث المنطقة ولدور إيران فيها.

وإذا كان الموقف العربي قد اظهر العقلانية والحرص على إيران وعلى دول المنطقة بحكم تشابك المصالح والمصائر اليوم، فإن الذي لم يتضح بعد هو الى أي حد سيكون الطرف الايراني متجاوبا مع عمق الموقف العربي ورصانته السياسية وقارئا جيدا لمنطلقاته؟

[email protected]